الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مايو 31، 2019

كيف وقعت في فخ (كاميرا كاشي) حقيقية : عبده حقي


ارتشفت آخر جرعة من فنجان القهوة ونهضت .. كنت أسير مساء في الشارع الضاج
بالمارة والسيارات وأنا أترقب مرور طاكسي ليقلني إلى بيتي الذي يبعد عن مركز
المدينة بحوالي 4 كم ..
وفي لحظة استدرت فلاح لي طاكسي قريبا مني .. أشرت إليه بيدي فتوقف .. عينت له وجهتي فأشار لي بالركوب ما يعني أنه يسير في نفس الاتجاه الذي أقصده .. كان إلى جانب السائق زبون يبدو من خلال بروفايله الخلفي أنه متقدم قليلا في السن .. قنة رأس الخلفية خفيفة الشعر وصوته مبحوح قليلا . وحدست أن السائق والزبون كانا مستغرقين في نقاش عام مثلما هي عادة جميع سواق الأجرة .. واستطرد الزبون قائلا : بالله عليك هل مازال مواطن في الوقت الراهن مولعا بعادة القراءة مثل كان جيلنا في زمننا الماضي في السبعينات والثمانينات إلى حدود ظهور آفة الإنترنت .. أنظر مثلا إلى المقاهي كيف يتكدس فوق كراسيها الزبناء في حالات شرود أو تلصص وملاحقة العابرين بأعينهم الجاحظة من دون خجل ... حتى المعلمين والأساتذة وعموم النخبة لا يقتنون ولو كتابا واحدا في أول الشهر مع حصولهم على الراتب .. بالله عليك دلني الآن من بين هؤلاء المارة شخصا واحدا يحمل كتابا أو يتصفح كتابا في محطة الباص أو التاكسي أو على كرسي مقهى أو حديقة ...

وفي هذه الآونة أحسست بأنني أنجذب بل أستدرج شيئا فشيئا إلى الانخراط معهما في النقاش ومن حيث لم أدر انفلت لساني من عقاله ووجدتني أتوجه بكلامي إلى الزبون الذي كان يجلس أمامي مباشرة من دون أن أتبين ملامح وجهه وقلت : عفوا سيدي أرجوك ولطفا لا تعمم هذه الظاهرة المرضية على الجميع فمازال هناك قراء من مختلف الشرائح يترددون على الأكشاك والمكتبات ويواكبون الإصدارات الجديدة من مجلات ودوريات ودواوين وروايات وغيرها . فعقب على كلامي قائلا : عفوا سيدي ما هي مهنتك ؟ أجبته من دون تردد : أستاذ متقاعد . ثم أردف : وهل مازلت تقرأ الكتب ؟ أجبته طبعا بل أكثر من هذا أنني كاتب وربما قد تكون قد قرأت بعض مقالاتي في الجرائد الوطنية . قال : ما اسمك ؟ قلت : عبده حقي . قال عفوا لم أسمع بهذا الإسم قط . قلت لاعليك . وفي تلك اللحظة أخرجت هاتفي الذكي ودخلت على محرك البحث غوغل وكتبت : عبده حقي . ثم ناولته هاتفي ليطالع سلسلة نتائج البحث الطويلة . وكما لو اعترته دهشة مصطنعة قال لي أهنئك سيدي على ثقافتك الواسعة . وفجأة قال لي ربما لم تعرفني ؟ . قلت عفوا ومعذرة : وفي تلك اللحظة وكما لو أنه نزع قناعا من على وجهه واستدار إلي ووجهه تعلوه قهقهة عالية قائلا : ها أنا أوقعتك في (الكاميرا كاشي) و(مشيتي فيها ) يا عبده حقي ... أليس كذلك ؟؟. فعلا ومن جانبي اعترتني لحظة ذهول واندهاش عارم وعظيم وصمت مشوب بابتسامة استغراب عريضة .. إنه صديقي (سعيد .ب) أحد الرفاق القدماء في حزب منظمة العمل الديموقراطي الشعبي وهو شقيق لأحد الصحفيين المرموقين بالمغرب . واستغرقنا طول الطريق في هيستيريا ضحك .. وأخبرني سائق التاكسي أنه بدوره وافق مع (سعيد ب) على توضيب هذا السيناريو الذي لن ننساه معا أبدا ...  


0 التعليقات: