الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، يوليو 30، 2019

اسمك .. تختاره أم يختارك : عبده حقي


اسمك .. هو أنت حين تجد نفسك على حين غرة في أول سقطة على أديم كوكب لم تختره سلفا وأنت ترتع في متاهات العدم. تلفاه قد سيجك من كل جانب وطوقك
بالزغرودة الثملة ودم النحر الساخن وقلادة الحبل السري الذي يمتد بين جسدك الواهن وأعماق الجذور.
اسمك .. هو الوشم المخضب بالإلتماعة المشعة على تضاريس إيهابك .. هو الوحم السوريالي الناتئ في جهة ما من قامة جسدك .. هو ظلك الذي يلاحقك من خلفك أو أمامك حيثما أذعنت لسلطة الشمس المتوقدة فوق رأسك .. يقينا إنك لم تختره بل هو اختارك في لحظة تختزل العديد من السلط الروحية والاجتماعية والأنتربولوجية والسوسيو ثقافية .. إلخ.
فجأة في يوم ما تجده يتشبث بأهداب صورتك والصورة ترتبط بمناداتك في علاقة جدلية تضرب عميقا في الموروث .. هانت قد اصطادتك الحياة وفي غفلة منك استدرجتك الأيام والسنون لتكبر.. وتكبر.. وتتعدد الأسماء من حولك وقد تلونت بدلالات وإيحاءات آتية من روافد عديدة. قد يحدث حين تتسع حدقتاك حول العالم وتفتض أسرار هذه النداءات.. أن تنتفض على النداء وتلتفت وحدك متأملا في إعادة عداد العمر إلى لحظة الإطلالة الأولى لتخلع عنك أصفاد القماط الأبيض وتعيد سيمفونية رقصة (السابع) وتختار لوحدك أن تشم هامتك باللون الذي يليق بهروبك الحكيم من أصفاد تخادعك بالهواء الطلق وبجدوى العادات الكاذبة.
كثيرات وكثيرون مثلك من تمردوا على بلادة وجوههم الكاريكاتورية على تسطيحات المرايا المحدبة وآثروا العودة إلى الحقيقة الأولى من حيث يجدر بنا جميعاً أن نعود. وعادوا إلينا وهم موشحون بأسماء تشبه جذبة الوحي الإلهي. عادوا بعد معارك في ساحة الذات مع الذات وعلى الذات .. حروب صغيرة على الجمع الثاوي في المفرد .. عادوا مكللين بأسماء منعوتة بخطيئة الاستعارة.
فتشت عمن يشبهونك ولا يشبهونك.. أولئك الذين منهم من يمشون على حد سيف الحرف ومنهم من ينامون على نصل الوتر.. ومنهم من يترنحون على حافة قوس قزح.
كان قرارك في هذه الليلة البيضاء أن تختطف أطيافهم وتهربها إلى أرخبيل هذا البياض الشفيف، في غفلة منهم لكي توشح صدور أسمائهم بنياشين التفرد وأكتافهم بأجنحة التمرد وعيونهم ببريق الإنزياحات .. كلهم كانوا ولا زالوا يؤانسونك في وحدتك بشغب ومشاكسات إبداعاتهم الأبدية الجميلة .. رواية .. شعرا .. قصة ومسرحا .. يوقعون على أوتار حناجرهم أو يتلهون في أراجيح الرقصة الوجودية.. وهم يكبرون في عيونك كل يوم .. يكبرون ويتشامخون مثل المعجزات .. يتسامقون ويرتعون في تاريخ الحدائق الخلفية.
هم كانوا وسيبقون عصافيرنا الصديقة التي تغمر مسامعنا بشدوها وترانيمها العظيمة من (القمر الأحمر) لعبدالهادي بلخياط حتى (مولد القمر) للموسيقار عبدالوهاب الدوكالي ومن (المرأة والوردة ) لمحمد زفزاف إلى (الطيبون) لمبارك ربيع و(حزن في الرأس وفي القلب) لإدريس الخوري و(فروسية) لأحمد المجاطي و(كان وأخواتها) لعبدالقادر الشاوي ومن (الشريشماتوري) لنبيل لحلوو (الجنرال) لثريا جبران حتى (الرجل الذي) لمحمد الجم ومن (حديث الروح) للسيدة أم كلثوم و(الرفاق حائرون) لعبدالحليم حافظ حتى (زهرة المدائن) لفيروز ومن (الدكتور جيفاكو) لعمر الشريف حتى (قافلة الخوف) لحميدو بنمسعود.. كلهم وغيرهم يتوحدون في ظل اسمك المتفرد .. فهل أدرك الآخرون سر استعارتهم؟.

0 التعليقات: