المستهلكين من أجل زيادة فعالية الحملات الإعلانية والإشهارية .
في بلد تجاوز فيه الإنفاق على صناعة الإعلانات أكثر من 100 مليار دولار فهذا يدل على أن تلك الرهانات صارت ذات أهمية قصوى .
ولفهم هذه الرهانات بشكل أفضل ، دعونا نعود إلى قرن من الزمان . في عام 1904 كتب عالم النفس والتر ديل سكوت : "يجب على رجل الأعمال الحكيم أن يفهم كيف تعمل عقول زبنائه وكيفية التأثير عليهم بفعالية من خلال توظيف علم النفس في الإعلانات ".
ومما لا شك فيه ، منذ هذا التأكيد تبنى عالم صناعة الإعلانات أساليب جديدة في البحث في علم النفس . اليوم ، وعلى غرار الطب النفسي سيتم ربط مستقبل الإعلانات بمستقبل علم الأعصاب . هذا الاتجاه الجديد ، الذي ظهر قبل بضع سنوات فقط في الولايات المتحدة الأمريكية صار يعرف تطورا هائلا : عديد من مختبرات البحوث في مجال علوم الدماغ أصبحت تهتم بالمجال الصناعي للمساهمة في تطوير أساليب التسويق في المستقبل .
التقدم الحديث في طرق التصوير بالصدى المغناطيسي ليست غريبة على هذا الاهتمام المتزايد بعلم الأعصاب . فقد منحت جائزة نوبل في علم النفس والطب سنة 2003 للأمريكي بول لوتربور والبريطاني بيتر مانسفيلد لإسهامهما في تطوير تقنيات التصوير بالصدى المغناطيسي. حيث أنها صارت تسمح اليوم ليس فقط "بتصوير" الدماغ في مساحة ثلاثية الأبعاد بدقة عالية ، ولكن أيضًا لتسجيل نشاطه وتحديد موقعه بمرور الوقت ، وذلك بفضل ما يسمى بالصدى المغناطيسي الوظيفي.
في ضوء هذه الإمكانيات الجديدة ، تتضاعف المبادلات بين المتخصصين في الصناعة وعلوم الأعصاب . لقد كانت عمليات التعاون سرية في البداية من أجل تقييم جدوى هذه المشاريع . وتم الوصول في خطوة أولى هامة جدا إلى إنشاء أول شركة تسويق عصبي أمريكية في أتلانتا في مكان ليس بعيدا عن مقر كوكاكولا. ويقترح هذا المعهد الخاص إنجاز دراسات مخصصة للشركات الكبيرة لفهم أداء أدمغة المستهلكين بشكل أفضل .
مبدأ هذه الدراسات هو كالتالي : مطالبة عينة تمثيلية من المستهلكين المتطوعين بالإجابة على استبيان لتحديد تفضيلاتهم على منتوجات وعلامات تجارية محددة . يتم بعد ذلك تسجيل نشاط أدمغتهم أثناء عرض صور المنتجات أو النماذج أو الأنشطة التي قد تتوافق أو لا مع أذواقهم . وقد أظهرت النتائج أنه يمكن ملاحظة درجة التفضيل (لمنتوج تجاري معين على سبيل المثال) في مناطق معينة من الدماغ . في الخلاصة إنها مسألة تحديد الميكانزمات الدماغية التي تكمن وراء قرار الشراء. واعتمادا على مثل هذه البيانات ، سيكون من الممكن إنشاء جيل جديد من الحملات الإعلانية والإشهارية أكثر استهدافًا خاصةً إذا تم التحقق من صحة هذا المنظور بشكل علمي. في الوقت الحالي ، لا يزال المجتمع العلمي مشكوكًا فيه . نتحدث هنا عن "مشاركة" جزء من القشرة خلف جبهة الرأس ودورها في ميكانزمات التفضيل . هذا الحذر يرجع جزئيًا إلى الحدود الحالية للتسويق العصبي . يمكننا أن نذكر منها ثلاثة.
أولاً ، القيود التكنولوجية : حيث أن التصوير بالصدى المغناطيسي الوظيفي لا يزال قيد التطوير . ثم هناك الحدود المنهجية : حيث يتم تحليل دماغ المستهلكين المعزولين في المختبر في غياب أي قيود اجتماعية . ولكن ثبت علميا أن كل السلوك الإنساني يترتب من التفاعلات بين الفرد وبيئته . فميكانزمات التفضيل وقرارات الشراء ليست بعيدة عن هذه الحقيقة . أخيرًا ، محدودية المعرفة في مجال علم الأعصاب ، حيث لا توجد حتى الآن دراسة معترف بها علمياً تؤسس لعلاقة لا لبس فيها بين عمل منطقة دماغية وبعض السلوك المعقد للإنسان مثل قرار الشراء.
من جانب آخر ، لا يتم التعبير عن الشكوك فقط من حيث المعايير العلمية . فهناك عديد من القضايا ذات البعد الأخلاقي . فشبح "أورويل" يحوم كثيرًا في هذا الموضوع بحيث لم تعترف أي شركة حتى الآن باستخدام التسويق العصبي . إذا تم فتح صندوق باندورا أخيرًا ، فسيتوقف الأمر على المشرعين لاتخاذ قرار بشأن مشروعية اللجوء إلى مثل هذه الدراسات . حتى الآن ، من الواضح أن هناك فراغًا قانونيًا يتعلق بتطبيق علم الأعصاب لأغراض غير طبية . ويمكن أن يكون تأثير المجتمع الدولي على صناعة الإعلانات عقبة رئيسية أمام المواءمة القانونية بشأن هذا الاستخدام.
لقد استقبلت مدينة نيو أورليانز أكثر من 20 ألف باحث في المؤتمر السنوي الذي نظمته جمعية العلوم العصبية المرموقة . وقد تمت مواجهة النتائج الأولى لدراسات التسويق العصبي للمجتمع العلمي ، مما يمثل بلا شك مرحلة جديدة في تطورها . التسويق العصبي هل هو صورة مموهة أم ثورة تجارية حقيقية ؟ ومهما يكن الأمر ، بعد مرور أكثر من قرن على والتر ديل سكوت ، فإن هذه الظاهرة في الواقع في طريقها إلى التحرك في الولايات المتحدة . أما أوروبا وآسيا فستكونان الأسواق القادمة لتطبيق هذه الدراسة ونتائجها .
أوليفييه أولير عالم في الأعصاب في مركز النظم المعقدة وعلوم المخ بجامعة فلوريدا أتلانتيك
0 التعليقات:
إرسال تعليق