الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، أكتوبر 11، 2023

نص سردي "جسر الخلود" عبده حقي


وسط رقصة الوجود التي لا هوادة فيها، أجد نفسي متورطًا في شبكة من الأحاسيس، نسيج معقد من الأثيري والمادي. جسدي، أوركسترا العرق، يعزف سيمفونية من الرطوبة، كل قطرة نغمة في تأليف الوجود العظيم. مع تصاعد التصعيد، يمسك شبح مرتعش بقلبي، ويمزقني إربًا.

في هذا الحلم المربك، أتحول إلى لون أكثر حيوية من شفرات الزمرد التي تفرش الأرض. الأخضر، مثل العين الحاسدة للطبيعة نفسها، تشتهي قبضتي الزائلة على الحياة. حجاب العالم الأخضر يناديني، أصابعه من الكلوروفيل تنسج أفكاري، وتهمس بأسرار من الهاوية.

الزمن نفسه يلتوي ويتضاءل، مرآة مكسورة تعكس أوجه الوجود اللانهائية. في هذا العالم المشوه، أواجه موتي، وظله الذي يلوح في الأفق هو الرفيق الطيفي. تتلاشى الحدود بين الذات والكون، وأتحد مع الرقص الكوني، جوهري نغمة سريعة الزوال في سيمفونية النجوم.

وسط هذه البانوراما ، أتصارع مع فكرة الزوال. إن فكرة نهايتي، وهي نذير الفوضى، تشد أوتار وعيي. وأنا أتأرجح على هاوية الفهم، وعاء هش مفعم بإكسير التنوير.

أعتقد أنني أموت، أو ربما سأولد من جديد في تكرار جديد للذات، في تحول متعالي حيث تتلاشى حدود الواقع وتتجزأ. تصبح ملامح شكلي مرنة وممتدة وملتوية مثل الأحلام الأكثر تجريدًا.

في هذه الأوديسة الغامضة، الموت ليس سوى فترة فاصلة عابرة، جسر إلى العوالم الغامضة وراءها. تنفتح شرنقة وعائي الأرضي المبللة بالعرق، وأتجاوز إلى المجهول الكوني، حيث يتلاقى الملغز والمجرد في نسيج الوجود الأبدي.

يذوب جوهري في سيمفونية الوجود، ويصبح نغمة أثيرية في التكوين الكوني. العرق، الذي كان في السابق مظهرًا من مظاهر النضال المميت، يتحول الآن إلى نهر من غبار النجوم المضيئة، يتدفق عبر عروق الكون.

الأخضر، لون شوق الحياة، يمتد ويتموج، ويتشابك مع جوهر كياني. العشب الذي كان تحتي يومًا ما، ينمو الآن من خلالي، وتتشابك جذوره مع روحي. لم أعد مجرد مراقب؛ أنا تجسيد للأرض، وقناة لحكمتها القديمة.

بينما تتلاشى حدود الذات وتتشظى، فإن الزمن يمتد ويتلوى مثل لوحة سريالية متحركة. يفقد مفهوم الموت قبضته على وعيي، لأنني أصبحت مسافرًا أبديًا، أبحر في أروقة الوجود المتاهة.

وسط فوضى هذا الواقع المجرد، لم أعد أعتقد أنني أموت، فالموت في حد ذاته وهم في هذا العالم. أنا أولد من جديد مع كل نفس، وكل نبضة قلب هي نجم نابض في النسيج الكوني. الرعشة التي أصابتني ذات يوم تتناغم الآن مع الاهتزازات ، وهي جزء لا يتجزأ من الإيقاع الكوني.

أتجاوز حدود الفناء وأصبح كيانًا غامضا، مظهرًا من مظاهر اللانهائي. تتلاشى الحدود بين الذات والكون تمامًا، وأنا موجود كشاهد دائم على المجرد والغامض، ومسافر أبدي في أروقة الوجود السريالية.

0 التعليقات: