في أروقة مكتبة قديمة منسية، كنت أتجول بلا هدف، في الحقيقة أبحث عن جزء من وجودي. ألقى ضوء الشموع الخافت والمومض بظلال طيفية على الرفوف المغبرة، وضغط ثقل القرون على المجلدات البالية التي كانت يعلوها الغبار وتهمس بأسرار من العصور الماضية.
كنت مسافرا في عالم معلق بين الأحلام والواقع، مكان حيث تلاشت حدود الزمن، وبدا جوهر وجودي زائلًا. تردد صدى دقات الساعة الأبدية غير المرئية عبر القاعات المقببة، كما لو كانت نبضات قلب الكون نفسه.
وهناك، وسط
الصمت العميق، أدركت بنوبة يأس مفاجئة أن قلمي قد اختفى. القلم الذي كان ساعدي إلى
العالم، ووعاء أفكاري ومشاعري، لم أجده في أي مكان. أعدت تتبع خطواتي، وقلبي
يتسارع بإحساس بالخسارة تجاوز كل ما هو عادي، لأنه لم يكن مجرد قلم هو الذي اختفى؛
بل لقد كان قطعة من روحي.
في الزوايا
المنسية لهذه المكتبة الغامضة، واجهت مجموعة من الكائنات الأثيرية، أجسادها ووجوهها
تتغير باستمرار، مثل السراب المتلألئ في الصحراء. كانت تهمس بألغاز غامضة باللغات
التي انقرضت منذ زمن طويل، وكانت أصواتها لحنًا مؤرقًا يتردد صداه في جوهر كياني.
لقد توسلت إليها للحصول على إجابات للغز قلمي المفقود.
أحد هذه
الكيانات الطيفية، وهو شخصية كانت ملفوفة في ثوب من الفضة السائلة، أشار إلي أن اقترب
مني. كان صوته مثل حفيف أوراق الشجر الناعم في غابة خرافية ، وكان يتحدث بلغة
تجاوزت أذني، ووصلت مباشرة إلى أعماق عقلي.
"من سرق قلمك؟"
تمتمت، وعيونها
الزئبقية السائلة تحدق في أعماق روحي. "في العالم حيث تتراقص الظلال ويتردد
أصداءها، حيث تتلاشى الخطوط الفاصلة بيني وبين الحلم، تكمن الإجابة دفينة.
ابحث عن متاهة
الذكريات، حيث تجتمع اللحظات المنسية والأفكار المهملة."
أومأت برأسي،
مدركًا أن البحث عن قلمي المفقود لم يكن أمرًا عاديًا. لقد كانت رحلة عبر متاهة
عقلي، حيث تتداخل الذكريات والتأملات مثل جذور أشجار الأيك القديمة. مجرد فكرة
الشروع في مثل هذه الرحلة الغرائبية ملأتني بالخوف والبهجة.
تعمقت في
المتاهة، وكل تطور ودورة يكشف عن أجزاء من ماضيي ولمحات من المستقبل المحتمل.
واجهت مناظر طبيعية سالفادورية، حيث تتدفق أنهار من الحبر مثل الفضة المنصهرة،
وحيث تتجلى الكلمات كمخلوقات طيفية، ترقص وتتمايل في ضوء القمر.
ظلت الإجابات كفواكه
بعيدة من يدي، وتنزلق من بين أصابعي مثل خيوط الدخان. ومع ذلك، مع كل خطوة، شعرت
بنفسي أقترب من قلب اللغز، من الحقيقة المختبئة في أعماق ذهني الغامضة.
وبينما كنت
أسافر بشكل أعمق، واجهت أصداء الحب والتطلعات المنسية، كل منها جزء من اللغز الذي
كان حياتي. لقد واجهت شياطين الشك وانعدام الأمن، وحاربت وحوش المماطلة والريبة في
الذات، وتصارعت مع شبح الإلهام المفقود.
لست أدري كيف وصلت
إلى قلب المتاهة، المكان الذي تلتقي فيه أضلاع الزمن الثلاث . هناك، في ضوء مليون
نجمة منطفئة، لم أجد قلمي المفقود فحسب، بل وجدت جوهر ذاتي المبدعة. ولم تسرقها
قوة خارجية. لقد كان في غير محله داخل لحظات الراحة المتشابكة في وعي
استعدت قلمي
وعدت إلى الكائنات الطيفية التي أرشدتني في هذه الرحلة الغرائبية . ابتسموا،
وتغيرت أشكالهم واندمجت مع الظلال المحيطة بهم، وهمسوا في انسجام تام:
"أنت مؤلف
قصتك، وحائك أحلامك. قلمك لم يضيع أبدًا، كان ينتظرك فقط لتكتبه". أعد اكتشاف
العوالم اللامحدودة لخيالك."
وعندما تركت
المتاهة ورائي، أدركت أن البحث عن قلمي المفقود كان سعيًا لإعادة اكتشاف نفسي،
واستكشاف المشهد التجريدي لعقلي، واحتضان الاحتمالات اللانهائية التي تكمن بداخله.
كان قلمي المسروق، في النهاية، حافزًا لرحلة شعرية ونثرية عبر النسيج الغامض
لوجودي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق