الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، فبراير 18، 2024

فن الإقناع في الصحافة: عبده حقي


في عالم الصحافة، الإقناع ليس مجرد أداة؛ إنه جوهر التواصل حيث يتم تصميم كل عنوان وكل مقال وكل بث بهدف التأثير على الجمهور أو إخباره أو إشراكه.

إن قوة الإقناع في الصحافة لا تكمن في ما يقال فحسب، بل في كيفية تقديمه أيضًا.

إن اختيار اللغة أمر بالغ الأهمية في الصحافة بمختلف أسانيدها حيث يستخدم الصحفيون أدوات بلاغية لتأسيس المصداقية وإثارة المشاعر والاحتكام إلى المنطق. ومن خلال اللغة المصاغة بعناية، يستطيع الصحفيون التأثير على الآراء، أو التحريض على ردود الفعل، أو إثارة الأفكار. وسواء أكان الأمر يتعلق بالسرد العاطفي للمقالات المميزة أو البراهين الصارمة للمقالات الاستقصائية، فإن اللغة هي بمثابة أداة فعالة للإقناع.

في عصرنا الرقمي، تمتد الصحافة إلى ما هو أبعد من الكلمة المكتوبة. تلعب العناصر المرئية مثل الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو والرسوم البيانية دورًا محوريًا في تشكيل الأخبار وجذب انتباه الجمهور. يمكن للصورة المقنعة أو مقطع الفيديو المنتج جيدًا أن ينقل المشاعر والمعلومات المعقدة بشكل أكثر فعالية من أي نص خبري لوحده. ومن خلال تسخير قوة الوسائط المتعددة، يستطيع الصحفيون تعزيز التأثير المقنع والوصول إلى جمهور أوسع.

يمكن للطريقة التي يتم بها تأطير الخبر أن تؤثر بشكل كبير على تفسيره وتأثيره . غالبًا ما يستخدم الصحفيون تقنيات التأطير لتسليط الضوء على جوانب معينة من قضية ما مع التقليل من أهمية الجوانب الأخرى. سواء كان ذلك من خلال اختيار المصادر، أو صياغة العناوين الرئيسية، أو هيكلة الأخبار، يتمتع الصحفيون بالقدرة على تشكيل التصور العام وجدول الأعمال. ومن خلال تأطير الأخبار من خلال رؤية معينة، يمكن للصحفيين التأثير على الآراء وتقديم أجندات محددة، بوعي كبير.

لقد برزت منصات وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات قوية للإقناع الصحفي حيث يستفيد الصحفيون من وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات، والتفاعل مع الجماهير، وتشكيل الخطاب العام في الوقت الفعلي. تعمل الطبيعة الفيروسية لوسائل التواصل الاجتماعي على تضخيم مدى وصول المحتوى الصحفي وتأثيره، مما يمكنه من الانتشار بسرعة والتأثير على الرأي العام. ومع ذلك، فإن انتشار المعلومات المضللة وغرف الصدى يشكل أيضًا تحديات أمام مصداقية وموضوعية الصحافة في العصر الرقمي.

يمكن كذلك أن يؤثر اختيار المصادر بشكل كبير على مدى إقناع المحتوى الصحفي. يجب على الصحفيين أن يتنقلوا عبر مشهد معقد من المصادر، بما في ذلك الخبراء وشهود العيان ولوبيات المصلحة، مع البقاء حذرين ويقظين ضد التحيز والمعلومات المضللة. يلعب تأطير المصادر وتوازن وجهات النظر دوراً حاسماً في ضمان مصداقية ونزاهة التقارير الصحفية. ومن خلال التقييم النقدي للمصادر والكشف عن التحيزات المحتملة، يستطيع الصحفيون الحفاظ على نزاهة عملهم وتعزيز تأثيره المقنع.

إن الشفافية والمساءلة تعد ركائز أساسية للصحافة المقنعة. يتحمل الصحفيون مسؤولية الكشف عن أساليبهم وانحيازهم وتضارب مصالح جمهورهم. ومن خلال توفير السياق والانخراط في التفكير الذاتي، يمكن للصحفيين تعزيز مصداقية وجدارة عملهم. بالإضافة إلى ذلك، تعمل آليات المساءلة مثل التحقق من الحقائق، والتصحيحات، وأمناء المظالم كضمانات ضد المعلومات المضللة وسوء الممارسة الصحفية، مما يعزز نزاهة المهنة.

إن قوة الإقناع في الصحافة متعددة الأوجه، وتشمل اللغة والمرئيات والتأطير والمصادر والمساءلة. وإذا كان الإقناع أمرا متأصلا في ممارسة الصحافة، إلا أن الاعتبارات الأخلاقية يجب أن توجه ممارسته. الصحفيون يتمتعون بتأثير عميق على الرأي والخطاب العام ، ومع هذا التأثير تأتي مسؤولية دعم الحقيقة والإنصاف والنزاهة. ومن خلال فهم وسائل الإقناع وتسخيرها، يمكن للصحفيين الوفاء بتفويضهم المتمثل في إعلام الجمهور وتثقيفه وتمكينه في مشهد إعلامي دائم التغير.

0 التعليقات: