الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، مارس 08، 2024

تقاطع الذكاء الاصطناعي والذكاء الاجتماعي: عبده حقي

 


لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الصناعات وأعادت تشكيل المجتمعات في جميع أنحاء العالم من خلال ممارساتها وأنشطتها اليومية . وإذا كان الاهتمام منصبا بالأساس على إمكاناته المفيدة في بعض المجالات مثل الرعاية الصحية والتمويل والنقل، فإن تأثير الذكاء الاصطناعي على الذكاء الاجتماعي عميق ومتعدد الأوجه بنفس القدر. فماهي ملامح هذه العلاقة الإشكالية والمعقدة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الاجتماعي، وما هي الفرص التي يقدمها والتحديات التي يفرضها على الأفراد والمجتمعات.

يشير الذكاء الاجتماعي إلى القدرة على التنقل بفعالية في المواقف الاجتماعية، وفهم مشاعر الآخرين والتعاطف معها، والتواصل بشكل مقنع، وبناء علاقات هادفة. ويشمل مجموعة واسعة من المهارات، بما في ذلك التعاطف والذكاء العاطفي والتواصل والإدراك الاجتماعي.

يحمل الذكاء الاصطناعي وعودًا كبيرًا في زيادة وتعزيز الجوانب المختلفة للذكاء الاجتماعي. وتكمن إحدى مساهماته الأساسية في قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات الاجتماعية، مما يوفر نظرة ثاقبة للسلوك البشري والديناميات الاجتماعية. كما يمكن للأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تساعد الأفراد والمؤسسات في الحصول على رؤى أعمق حول اختيارات الزباء والشركاء واتجاهات السوق والتحولات المجتمعية، مما يتيح اتخاذ قرارات أكثر نجاعة واستنارة.

بالإضافة إلى ذلك، يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في السياقات الاجتماعية تساؤلات حول الخصوصية والموافقة وأمن البيانات. مع قيام أنظمة الذكاء الاصطناعي بجمع وتحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية، هناك خطر متزايد من سوء الاستخدام أو الاستغلال، مما يثير المخاوف بشأن المراقبة والتمييز والتحيز الخوارزمي. علاوة على ذلك، يؤدي الافتقار إلى الشفافية والمساءلة في عمليات صنع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم هذه المخاوف، مما يقوض الثقة في أنظمة ومؤسسات الذكاء الاصطناعي.

إن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في التفاعلات الاجتماعية قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة والانقسامات الاجتماعية. ولا يتم توزيع الولوج إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي ومهارات القراءة والكتابة الرقمية بالتساوي، مما يؤدي إلى فجوة رقمية تؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات المهمشة. وفي غياب الضمانات والتدخلات الكافية، قد تؤدي المنصات الاجتماعية التي يعتمدها الذكاء الاصطناعي إلى إدامة التحيز والتمييز، مما يزيد من ترسيخ عدم المساواة المجتمعية.

وفي خضم هذه التحديات، من الضروري إعطاء الأولوية للحفاظ على الفاعلية البشرية والتعاطف في عصر الذكاء الاصطناعي. وإذا كان الذكاء الاصطناعي قادر على زيادة وتعزيز جوانب معينة من الذكاء الاجتماعي، فإنه لا يستطيع أن يحل محل الصفات الإنسانية المتأصلة مثل التعاطف والشفقة والحدس. وبدلا من ذلك، ينبغي النظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره أداة لدعم واستكمال التفاعلات البشرية، وليس بديلا للتواصل البشري الحقيقي.

كما أن الجهود المبذولة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تتسم بالشفافية والمساءلة والمتوافقة أخلاقيا تشكل أهمية بالغة لضمان أن الذكاء الاصطناعي يخدم الصالح العام ويدعم القيم الإنسانية الأساسية. ومن خلال دمج مبادئ العدالة والإنصاف والشمولية في تصميم الذكاء الاصطناعي ونشره، يمكننا التخفيف من مخاطر التحيز والتمييز، وتعزيز مجتمعات أكثر إنصافا وشمولا.

 

يعد تمكين الأفراد بمهارات القراءة والكتابة الرقمية وقدرات التفكير النقدي أمرًا ضروريًا أيضًا للتغلب على تعقيدات التفاعلات التي تتم بوساطة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. ومن خلال تعزيز ثقافة الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي وتعزيز اتخاذ القرارات الأخلاقية، يمكننا تمكين الأفراد من تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من مخاطره.

إن التقاطع بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الاجتماعي يحمل وعوداً هائلة لإعادة تشكيل كيفية تفاعلنا وتواصلنا وتعاوننا في العصر الرقمي. من تجارب التعلم الشخصية إلى خدمة الزبائن والشركاء المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، فإن التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي في تعزيز الذكاء الاجتماعي واسعة ومتنوعة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الإمكانية يتطلب منهجا مدروسا وأخلاقيا يعطي الأولوية للقيم الإنسانية، ويحافظ على الفاعلية البشرية، ويعزز الشمولية والتعاطف في المجتمعات التي يقودها الذكاء الاصطناعي. ومن خلال معالجة التحديات والاعتبارات الأخلاقية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، يمكننا تسخير قوته التحويلية لخلق عالم أكثر ارتباطا وتعاطفا وإنصافا.

 

0 التعليقات: