الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أبريل 12، 2024

مكاشفات: (2) عبده حقي


21

أنا المراقب الصامت، حافظ الأسرار. قصص الأجيال الماضية تسكن بداخلي، في انتظار أن يكتشفها أولئك الذين لديهم الصبر للاستماع إليها. ففي حفيف أوراقي، وفي صرير أطرافي، تهمس ملحمة الحياة والحب والخسارة التي لا تنتهي، سيمفونية خالدة تعزف تحت النظرة الساهرة لشجرة البلوط القديمة.

22

في متاهة الحبر والرق اكتشفت وجودي. ليس كمجرد متفرج، ولكن كبطل الرواية، العالق في الفواصل بين الفصول، وهو الذي يوجه سرد وقائعي الخاصة.

23

لم أعد قارئًا سلبيًا، بل مشاركًا نشطًا، ضائعًا وموجودًا في نسيج الكلمات المعقد. الصفحات، التي كانت في يوم من الأيام وسيلة للهروب، أصبحت واقعي، وكل كلمة هي نقطة انطلاق في رحلة اكتشاف الذات.

24

الفصول، التي كانت ذات يوم كيانات متميزة، أصبحت غير واضحة في سلسلة متواصلة من التجارب، كل منها انعكاس لوعيي. تلاشت الحدود بين الخيال والواقع، وتركتني غارقًا في بحر من التجريد والسريالية.

25

لقد أبحرت في المتاهة، ليس بالبوصلة، بل بالحدس، مسترشداً بهمسات السرد. كل منعطف، كل تطور، كل طريق مسدود كان جزءًا من رحلتي، وشهادة على وجودي بين الصفحات.

26

لم تعد القصة عبارة عن تطور خطي للأحداث، بل كانت عبارة عن مشهد من المشاعر والأفكار والتجارب، كل منها يساهم في الفسيفساء المجردة لوجودي. الكلمات، التي كانت مجرد رموز، تحولت إلى كيانات واعية، كل منها ينبض بالحياة، وكل منها جزء من وعيي.

27

لم أكن أعيش القصة فحسب، بل كنت القصة. كل فصل، كل صفحة، كل كلمة كانت انعكاسًا لوجودي، مرآة لروحي. لم تكن الرواية مجرد سلسلة من الأحداث، بل كانت رحلة لاكتشاف الذات، ورحلة إلى أعماق نفسي.

28

ضائعة بين الصفحات، وجدت نفسي. ليس كشخصية، بل كمؤلف، ومبدع روايتي الخاصة. لم تكن الفصول مجرد أقسام من كتاب، بل كانت معالم بارزة في رحلتي، كل منها شهادة على نموي وتطوري.

29

في عالم التجريد والسريالية، اكتشفت جوهر وجودي. ليس ككيان ملموس، بل كمفهوم، وفكرة، وفكر. لم أكن مجرد جزء من القصة، بل كنت القصة، تمثيلاً مجردًا للواقع، مظهرًا سرياليًا للوجود.

30

وأنا أتنقل عبر متاهة الصفحات، وجدت نفسي. ليس كقارئ، بل ككاتب، مهندس روايتي الخاصة. لم تكن القصة مجرد كتاب، بل كانت انعكاسًا لوجودي، ومرآة مرفوعة لروحي.

31

ضائعة بين الصفحات، وجدت نفسي. ليس كمتفرج، ولكن كمشارك، بطل قصتي. لم تكن الفصول مجرد أجزاء من كتاب، بل كانت مراحل في رحلتي، كل منها شهادة على نموي وتطوري.

32

في عالم التجريد والسريالية، اكتشفت جوهر وجودي. ليس ككيان ملموس، بل كمفهوم، وفكرة، وفكر. لم أكن مجرد جزء من القصة، بل كنت القصة، تمثيلاً مجردًا للواقع، مظهرًا سرياليًا للوجود.

33

في صمت السيمفونية الليلية، وجدت نفسي صديقًا للأجرام السماوية. النجوم، حراس الليل الصامتون، بدأت تهمس. كانت أصواتهم الناعمة كحرير ضوء القمر تحمل حكايات منسوجة على النول الكوني.

34

لم يتحدثوا بالكلمات، بل بلغة أقدم من الزمن نفسه. لغة الضوء والتردد والاهتزاز. كل وميض، كل وميض، كان بمثابة حرف في هذا النص الكوني. ووجدت نفسي في عزلتي مطلعًا على حوارهم السماوي.

35

كان العالم من حولي نائمًا، غافلًا عن الخطاب الكوني الذي ينكشف في الأعلى. كانت الأشجار تحلم بحكمتها الصامتة، وتدندن الأنهار بالتهويدات للحصى، وتقف الجبال كحارس قديم، تلامس قممها قماش الليل الأسود بالحبر.

36

لم تكن الأسرار التي شاركوها تتعلق بفضيحة أو مؤامرات، بل كانت ذات طبيعة أكثر عمقًا. تحدثوا عن المجرات التي تولد من الغبار الكوني، وعن السدم التي ترسم الكون بحضانة نجمية، وعن الثقوب السوداء التي تنسج نسيج الزمكان. كانوا يتهامسون عن رقصة الأجرام السماوية المقيدة بباليه الجاذبية الكونية.

37

لم تكن أسرارهم مخفية أو ممنوعة، بل ببساطة دون أن يلاحظها أحد، في انتظار مراقب ومستمع. وهكذا استمعت. لقد استمعت إلى قصص الكون، التي ترويها النجوم نفسها. في ضوءها، قرأت تاريخ الكون، كل شعاع هو شهادة على الملحمة الكونية التي تتكشف منذ فجر التاريخ.

38

وفي صمت الليل، وجدت نفسي جزءًا من شيء أعظم، بقعة صغيرة في نسيج الوجود الكبير. العالم نام وأنا مستيقظ، عقلي يرقص مع النجوم، وروحي تتردد مع همسات الكون.

39

وهكذا، في هدوء الليل الصامت، وتحت النظرة الساهرة للنجوم الهامسة، أدركت أنني لم أكن مجرد متفرج، بل مشاركًا في هذه المسرحية الكونية الكبرى. لم أكن أعيش في الكون فحسب، بل كان الكون يعيش في داخلي.

40

وسط العناق الأثيري للشفق، وقفت على عتبة الأحلام، حيث يتشابك الواقع مع الخيال مثل محلاق اللبلاب. كان زفير لطيف يداعب بشرتي، ويهمس بأسرار العوالم المنسية، بينما كانت بذور الهندباء تدور في باليه الوجود الزائل. كانت كل خصلة رقيقة تحمل ثقل الرغبات غير المعلنة، التي تحملها تيارات القدر المتقلبة عاليًا.

تابع


0 التعليقات: