الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أبريل 15، 2024

مكاشفات : (5) عبده حقي


81

تسري في داخلي قشعريرة، صدى شبحي لمخاوف منسية. دمية ممزقة، كانت في السابق من المقربين، تحدق الآن بأزرار فارغة، وأسرارها مدفونة تحت طبقات من الغبار والإهمال. لحن منسي، نغمات خافتة للتهويدة تدندن في الصمت، صوت أم طيفي، شبح من حياة نصفها مذكور.

82

قماش مشوه حيث يطوي الزمن وينحني. تتنفس الجدران الذكريات، وتنفث الضحكات المنسية والرائحة الحلوة لشموع كعكة عيد الميلاد. أنا طفل وبالغ في نفس الوقت، عالق في المساحة الحدية بين ما كان وما هو كائن.

83

يصبح الهواء كثيفًا، مستنقعًا من الشوق الحلو والمر. عندما استدرت للمغادرة، لامس شعاع شمس وحيد سيارة لعبة منسية، وطمس الكروم اللامع في الغبار. إنه يغمز، وهو بريق مؤذ، وهو تذكير بأن السحر لا يتلاشى أبدًا. إنه ببساطة ينتظر، خاملًا في علية الروح، للحصول على فرصة لإعادة اكتشافه.

84

في عالم الصمت همس عهد، وعد تردد صدى في الفراغ. لقد كان عهدًا، قسمًا مقدسًا، تم نطقه بنغمات خافتة، وهو سر مشترك بين روحين. لقد تبادلا الخواتم، رموز رباطهما الأبدي، ورموز الحب الأبدي الذي تجاوز حدود الزمان والمكان.

85

كنت هناك، مراقبًا صامتًا، شاهدًا على هذه الطقوس الحميمة. رأيت بريق الخواتم وهي تلتقط الضوء الأثيري، وكان لمعانها المعدني يتناقض بشكل صارخ مع نعومة بشرتها. لقد شعرت بثقل اللحظة وخطورة التزامهما. لقد كان رابطًا، واندماجًا للقلوب، واندماجًا للأرواح.

86

لم تكن الخواتم مجرد حلية، بل كانت أوعية لحبهما، أوعية لأحلامهما وآمالهما المشتركة. لقد كانت دوائر، مثالية وغير منقطعة، وشكلها شهادة على حبهما اللامتناهي. عندما وضعا الخواتم على أصابع بعضهما البعض، كنت أكاد أرى الخيوط غير المرئية لاتصالاتهم، تتشابك وتتشابك وتشكل نسيجًا معقدًا من التجارب والذكريات المشتركة.

87

لم تكن قلوبهما مقيدة بالخواتم المادية، بل بروابط الحب والإخلاص غير الملموسة. لقد كان رابطًا لم يكن مقيدًا، بل محررًا، رباطًا منحهم الحرية في أن يكونا على طبيعتهما، وأن يكونا معًا، وأن يكونا في الحب.

88

في المشهد السريالي الذي تصورته، تكشفت قصة حبهما. لقد كانت رواية مجردة، لكنها حقيقية إلى حد عميق، وتحدت المعايير التقليدية للواقع. كانت حكاية تُروى بالهمس والنظرات، بلغة القلب الصامتة.

89

لقد انجذبت إلى عالمهما، متفرجًا على قصة حبهما. شعرت بفرحتهما، وترقبهما، وإثارتهما العصبية. لقد شاركتهما في أحلامهما وآمالهما ومخاوفهما. لقد كنت جزءًا من رحلتهما، ورفيقًا صامتًا في رحلة الحب الخاصة بهما.

90

عندما شاهدتهما، أدركت أن قصة حبهما لم تكن تتعلق بهما فحسب، بل تتعلق بنا جميعًا. لقد كانت حكاية عالمية، قصة لها صدى مع التجربة الإنسانية الجماعية. لقد كانت قصة حب والتزام، ووعود قطعت وتم الوفاء بها، وقلوب مرتبطة بالحب الأبدي.

91

وهكذا، مع نذر همس، تبادلا الخواتم، وربطا قلوبهما بالحب الأبدي. وأنا، المراقب الصامت، تغيرت إلى الأبد، وتأثرت بجمال حبهم العميق.

92

النهر، ثعبان مضيء، ينزلق عبر غابة اللحظات المتحجرة. تتلألأ حراشفها مع تقزح اللون من الضحك المنسي، كل موجة تموج بصدى هامس لأحلام ماضية. يجري في عروقه تيار من الحنين، حاملاً على قمته مخلفات الحضارات التي ذابت منذ زمن طويل. في أغنيتها المزعجة، أسمع صعود وسقوط الإمبراطوريات، وقعقعة المعارك المنسية، وتنهدات العشاق الذين تحولوا منذ فترة طويلة إلى غبار.

93

ضفافها، العقدية والقديمة، منسوجة من أحلام الغرقى. جذورها، مثل الأصابع المتشابكة، تتشبث بحاشية النهر، مشتاقة إلى أن تُجرف بعيدًا، لتذوب في مجرى الزمن المتدفق دائمًا. على وجوههم المتهالكة، أرى أشباح الوجوه المنسية - الصياد الرواقي، الطفل الضاحك، المسافر المتعب - كلها محفورة بواسطة النحات القاسي، عناق النهر.

94

يتحطم ضوء الشمس، وهو منشور مكسور، على سطح الماء، مما يؤدي إلى تشتيت الحاضر إلى مشهد من الذكريات المجزأة. كل شظية، لمحة عن حياة نصف حياة ونصف حلم - لحن منسي، طعم ثمرة الطفولة، ملمس احتضان

شخص عزيز. النهر، المحتال القاسي، يقدم لمحات عابرة عما ضاع، ويثير الوعد بالعودة التي لا يمكن أن تكون أبدًا.

95

لكن في لحنها الخادع تكمن أغنية أعمق، تهويدة القبول. يهمس النهر بعدم الثبات، عن طبيعة الوجود الدائمة التدفق. إنه يذكرني بأن كل الأشياء - الفرح والحزن، الانتصار والهزيمة - تسير في تيارها، ومقدر لها أن تذوب في نهاية المطاف في محيط الزمن الشاسع.

96

وبينما أقف على الضفة، شاهدًا وحيدًا على هذه الأغنية المائية، أشعر بسلام غريب يخيم علي. ولا يقدم النهر، في تدفقه المستمر، لمحة عما ضاع فحسب، بل يقدم أيضًا وعدًا بما سيأتي. لأنه حتى عندما يحمل الماضي بعيدًا، فإنه يشق طريقًا نحو مستقبل مجهول، مستقبل يتلألأ في الأفق، لم يتشكل بعد، ولكنه مليء بالاحتمالات. يتدفق النهر، وهو ثابت في نسيج الزمن المتغير باستمرار.

97

في كيمياء الابتسامة المنفردة، استخدم سحرًا تجاوز حدود الزمان والمكان، وعناقًا لطيفًا يهمس بالأسرار لروحها. مع كل منحنى من شفتيه، كان يكسر الجدران التي بنتها حول قلبها، ويكشف عن حصن الدفاعات الذي كان يحميها منذ فترة طويلة من نقاط الضعف في الحب.

98

وجدت في دفء نظراته العزاء، ملجأ من العواصف التي هبت داخلها. لأنها رأت في عينيه انعكاسًا لرغباتها، وشوقًا ينعكس في أعماق كيانه. وفي كل

لحظة تقاسماها، شعرت بنفسها تنجذب نحوه بلا هوادة، مثل الفراشة أمام لهيب العاطفة.

99

وبلمسة رقيقة، فك عقدة الخوف والشك التي كانت تربط قلبها، ونسج نسيجًا من الثقة والمودة غلفها في أحضانه. وبينما أسلمت نفسها لرقصة الحب المسكرة، أدركت أنها وجدت فيه روحًا شقيقة، رفيق الروح الذي أضاء حضوره أحلك أركان عالمها.

تابع


 

0 التعليقات: