الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، يونيو 26، 2024

نص سردي "سيمفونية الروح" عبده حقي


كان الهواء مفعما بالحنين، وكأن كل نفس يحمل جوهر اللحظات الموسيقية التي انتهت منذ زمن طويل. تجولت في هذه المدينة، لاهثًا ومشتاقًا إلى الوميض الوردي لأمجاد الصباح الباكر، التي يقبلها ضوء الفجر الأول على بتلاتها.

كانت فترات الصباح هنا عبارة عن سلسلة ذهبية من الأشعة الهادئة ذات الصبغات البرتقالية، وإيقاظ ناعم للعالم غمرني في حضن دافئ. كانت هذه الأشعة تداعب الحقول بلطف حيث كانت الأحلام الرقيقة باقية، الأحلام التي رقصت فوق المروج التي قبلتها الشمس. هنا، في هذه المروج، تناثرت بذور ماضينا، بذور الذكريات السرية التي زرعناها معًا.

كانت قصص طفولتنا منسوجة بخيوط اليراعات، تومض أضواءها الصغيرة مثل الحكايات التي نسجناها في تلك الأيام الخالية من الهموم. كانت كل قصة عبارة عن ملحمة، محفورة بالحبر اللامع المتدفق في مقاطع من الياقوت، كلمات تتوهج بسحر خيالنا. كانت هذه مثل الحروف الهيروغليفية المنومة، منحوتة من الدموع التي لم نذرفها أبدًا، دموع الفرح والحزن التي ظلت غير معلنة.

ومع ذلك، بينما كنت أتجول، لم أستطع إلا أن أفكر. كيف تبدو الجنة من دوني بجانبك؟ هل مازلت تضحك، كما كنت تفعل من قبل، على ذكريات كيف كنا ندور وندور؟ كنا أرواحًا متقاربة، ضائعين في مملكتنا المقدسة، وكانت أرواحنا ترتد بالضوء الغنائي. انبعث هذا الضوء من نشوة زمردية، فرحة مشعة بدا أنها تنير حتى أحلك أركان عالمنا.

في ذهني، تخيلتك في قلعة ، مكان حيث الملائكة لن تسمح لك أبدًا بنسيان الوعود التي قطعناها. تحت السماء المقمرة، همسنا بوعودنا، وقلوبنا تنبض في انسجام مع النجوم المنكوبة بالحزن فوق رؤوسنا. كانت تلك الليالي ملاذنا، ملاذًا من عالم غالبًا ما يبدو قاسيًا ولا يرحم.

تمنيت أن تتذكرني عندما تزدهر الزهور العطرة بألوان غروب الشمس البنفسجي الناعم. كانت لحظات غروب الشمس تلك مثل اللوحات التي رسمناها معًا، كل واحدة منها كانت تحفة فنية من ضربات فرشاة الفراشة. عندما وقفت على الشاطئ، أستمع إلى الأمواج وهمس بألحانها الهادئة، شعرت بالارتباط بك. كشفت الأمواج عن حكايات متلألئة عن عالمك السيرافي، حكايات تُروى في أبيات بنفسجية تتحدث عن جنة لا أستطيع إلا أن أتخيلها.

وحيدًا وأتذكر، وجدت نفسي لا أزال أتعافى من خسارتك. كان كل يوم بمثابة أمنية، وأمل أنه في يوم من الأيام، عندما تتساقط كل جوهرة في الأفق على شكل خطوط زانثية، سأجد الشجاعة للمضي قدمًا. إن أوراق الخريف، التي تذبل في غيابك، تعكس إحساسي بالذبول. ومع ذلك، وفي خضم هذا، حلمت بلوحة أستطيع أن أخلد فيها حبنا.

كان هذا الحب مفعمًا بالحيوية والأبدية. حتى عندما كانت تذكارات شفق الأمس تتلألأ في البعيد، بقيت قصيدة روحي. كل ذكرى، كل لحظة مشتركة كانت عبارة عن مقطع، سطر في الملحمة المستمرة بيننا. وبينما كنت أسير في المدينة، عزف لحن ذكرياتك الموسيقية، سيمفونية لا تنتهي أبدًا، أبقتك قريبًا، حتى عندما كنت بعيدًا.

 

0 التعليقات: