الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، يوليو 22، 2024

نص سردي تكسير الأفكار: عبده حقي


تتكسر فيه الأفكار مثل الزجاج الهش، يتلألأ المشهد بالشك. تعال يا فينس، وانظر إلى تمزق التأمل. يتوقف العقل، معلقًا في فراغ حيث يذوب المنطق، ويسود الخيال. هنا، في هذا المجال المكسور، يطن الهواء بأصوات الأحلام غير المكتملة.

السماء، لوحة من الألوان المذابة، تدور في تناغم فوضوي. تتحول السحب إلى مخلوقات خيالية، تتغير أشكالها مع كل نفس من الريح. تحت هذه الرقصة السماوية، ترقد الأرض خاملة، عملاق نائم ينتظر لمسة الصحوة.

لا توجد طرق تعبر هذه الأرض الجميلة، لأنها تقع خارج حدود الملاحة. المسارات، إذا جاز لي أن أسميها كذلك، تتعرج بلا هدف عبر حقول الفكر. كل خطوة تخطوها هنا هي مغامرة في المجهول، واستسلام لأهواء العقل الجامح.

ترتفع الجبال مثل حراس جبارين، وتتوج قممها بجليد الذكريات المنسية. تتدفق الأنهار إلى الوراء، متحدية الجاذبية والوقت، وتهمس مياهها بالأسرار لمن يجرؤ على الاستماع. تتلألأ غابات الأشجار البلورية في الشفق الدائم، وتنسج أغصانها نسيجًا من الضوء والظل.

تقدم على حافة هذا الفجر المتجمد، حيث يخترق أول ضوء للنهار قشرة الليل. الأفق هو حد سكين، حاد وبارد، يقطع نسيج الواقع. كل خطوة إلى الأمام هي غوص في أعماق العقل الباطن، حيث تتشابك المخاوف والرغبات في رقصة الشفق الأبدي.

إن الفجر هنا ليس صحوة لطيفة بل كشف صارخ. إنها لحظة تقف فيها الروح عارية، مجردة من التظاهر والخداع. الضوء قاسٍ لا يرحم، يكشف عن كل عيب وكل حقيقة مخفية. ومع ذلك، في هذا التنوير الصارخ، هناك جمال. جمال خام وغير مصقول، مثل أول نفس لنجم حديث الولادة.

تشاركنا الشمس المعادية ضوءها، ويمنحها العدو دفئها على مضض. تخترق أشعتها الفجر الجليدي، وتلقي بظلال طويلة تتلوى وتتلوى مثل الثعابين. الشمس هنا ليست مانحة خيرة للحياة، بل قوة لا هوادة فيها، وتذكير بالنضال الكامن في الوجود.

في هذه الأرض التي تسودها الأفكار المكسورة والطرق غير المطروقة، تعمل الشمس كدليل ومعذب في الوقت نفسه. فهي تنير الطريق إلى الأمام، ولكن ضوءها يحرق الروح بشدة. كل شعاع منها يمثل تحديًا واختبارًا للصمود والإرادة.

الهواء كثيف بصمت الأفكار المتقطعة، سيمفونية من الكلمات غير المنطوقة والأفكار غير المكتملة. في هذا العالم، اللغة سائلة، نهر من المعاني يتدفق بلا حدود. الكلمات تندمج وتذوب، مما يخلق أشكالاً جديدة وتعبيرات جديدة.

تتردد الأصوات في أرجاء المشهد، بلا أجساد ولا روح. تتحدث الأصوات بألسنة غير معروفة، لكن معناها محسوس، ويتردد صداه في أعماقنا. كل صوت يمثل جزءًا من كل أكبر، قطعة من لغز لن يكتمل أبدًا.

في خضم الفوضى، توجد حديقة، ملاذ للأحلام المنسية. تتفتح الأزهار بألوان مستحيلة، وتتلألأ بتلاتها بوهج من عالم آخر. كل زهرة هي ذكرى، حلم كان ذات يوم ولم يعد موجودًا.

في وسط الحديقة تقف شجرة تمتد أغصانها نحو السماء. إنها شجرة الذاكرة، أوراقها منقوشة بأصداء الماضي. إن لمس لحائها يعني الشعور بثقل التاريخ، وعبء ما ضاع وما لا يمكن استعادته أبدًا.

خلف الحديقة توجد متاهة من الأفكار والعواطف. جدرانها عالية ولا يمكن اختراقها، ومع ذلك تنبض بالحياة، وتتحول وتتغير مع كل نبضة قلب. إن التنقل عبر هذه المتاهة يعني السفر إلى أعماق النفس البشرية، لمواجهة الشياطين التي تتربص بداخلها.

يكشف كل منعطف أو انعطاف عن جانب جديد من الذات، وفهم جديد لتعقيدات العقل. لا يكون المسار واضحًا أبدًا، بل يظل دائمًا غامضًا بسبب ضباب الشك والخوف. ومع ذلك، هناك طريق عبر، مسار يقود إلى قلب المتاهة، إلى جوهر الذات.

يتدفق نهر الزمن عبر هذه المناظر الطبيعية السريالية، ومياهه مظلمة ومخيفة. يشق طريقه عبر وديان الشك وجبال الأمل، ويشق طريقه عبر أرض الأفكار المحطمة. إن الدخول إلى مياهه يعني الانجراف بعيدًا، والانطلاق في رحلة عبر العصور.

الوقت هنا سلس، مد وجزر مستمر. تتمدد اللحظات وتتقلص، وتخضع لإرادة العقل. يندمج الماضي والحاضر والمستقبل، مما يخلق نسيجًا من الوجود مألوفًا وغريبًا في نفس الوقت.

على ضفاف نهر الزمن تقف مرآة، سطحها أملس وعاكس. إنها مرآة الحقيقة، بوابة إلى أعماق الروح. إن النظر إلى أعماقها يعني رؤية الذات بكل عُريها، ومواجهة حقيقة وجودها.

إن الانعكاس ليس لطيفًا دائمًا. فهو يكشف عن العيوب والنقائص والمخاوف الخفية. ومع ذلك، فإنه يُظهِر أيضًا القوة والمرونة والجمال الكامن في الداخل. إنه مرآة لا تكذب، تُظهِر الروح في أنقى صورها.

مع غروب الشمس، تخيم الظلال على الأرض، في رقصة من النور والظلام. والظلال هنا حية، تتحرك بإرادة ذاتية. فهي تتلوى وتدور، فتخلق أشكالاً وأنماطاً تتحدى المنطق والعقل.

إن المشي بين الظلال يعني الدخول إلى عالم من الوهم، حيث يمتزج الواقع بالخيال. تهمس الظلال بالأسرار، بأصواتها المنخفضة والمخيفة. تحكي حكايات عن الحب المنسي والآمال الضائعة والأحلام التي لم تتحقق أبدًا.

في قلب هذه الأرض السريالية يقف برج طويل مهيب. إنه برج الصمت، مكان للتأمل والتأمل. جدرانه مبطنة بأفكار أولئك الذين أتوا من قبل، وكلماتهم محفورة على الحجر.

إن تسلق البرج يعني الصعود إلى قمم الفهم، واكتساب منظور جديد للذات والعالم. والمنظر من القمة خلاب ومتواضع في الوقت نفسه، فهو تذكير باتساع العقل والإمكانيات اللانهائية التي يحملها.

على الرغم من الظلام، هناك نور يضيء، منارة أمل في هذه الأرض السريالية. إنه نور يرشد، ويقدم العزاء في مواجهة اليأس. إنه نور الروح، والنار الداخلية التي تحترق حتى في أحلك الأوقات.

إن اتباع هذا النور يعني إيجاد الطريق الصحيح، والتنقل عبر متاهة العقل والخروج إلى نور الفهم. إنها رحلة اكتشاف الذات، وهي طريق يقود إلى قلب الذات وحقيقة الوجود.

في هذه الأرض حيث تتحطم الأفكار وتتلاشى الأحلام، لا نهاية، بل بدايات فقط. كل خطوة للأمام هي رحلة جديدة، واستكشاف جديد للذات. الأرض متغيرة باستمرار، وهي انعكاس لإمكانيات العقل اللانهائية.

إن السير على هذه الأرض يعني احتضان المجهول، والاستسلام لتدفق الخيال والحدس. إنه يعني قبول جمال المكسور، وكمال النقص. إنه يعني إيجاد العزاء في الفوضى، واكتشاف الحقيقة في السريالية.

وهكذا يستمر الرقص، في رقصة أبدية من الفكر والعاطفة. وتظل أرض الأفكار المكسورة والطرق غير المطروقة قائمة، شهادة على قوة العقل. إنها مكان تستطيع الروح أن تتجول فيه بحرية، دون أن تقيدها قيود الواقع.

تعالوا أيها الناس، وانسوا أنفسكم في هذا المشهد السريالي. هنا، حيث تتبدد الأفكار وتبدأ الأحلام، ستجدون جوهر الوجود. احتضنوا الرحلة، ودعوا نور الأمل يرشدكم عبر الظلام.

في النهاية، هناك صمت، سيمفونية من الكلمات غير المنطوقة والأفكار غير المكتملة. إنه صمت يتحدث كثيرًا، ويتردد صداه مع حقيقة الوجود. إنه صمت مريح ومزعج في الوقت نفسه، ويذكرنا بالاحتمالات اللانهائية التي تكمن في الداخل.

في هذا الصمت، تجد الروح السلام، ولحظة من الهدوء وسط الفوضى. إنها لحظة من الوضوح، لمحة إلى قلب الذات. إنها لحظة عابرة وأبدية في الوقت نفسه، تذكير بالجمال الكامن في السريالية.

وهكذا تستمر الرحلة، في رحلة استكشاف لا تنتهي للعقل والروح. وتظل أرض الأفكار المكسورة والطرق غير المطروقة قائمة، مكانًا به إمكانيات لا حصر لها. إنها أرض تدعو وتدعو أولئك الذين يسعون إلى فهم أعماق وجودهم.

فينس، تعال وامشِ في هذه الأرض. احتضن المجهول، ودع الرحلة ترشدك. ففي هذه الأرض ذات الأفكار المكسورة والمسارات غير المطروقة، ستجد حقيقة الوجود وجوهر الذات.

0 التعليقات: