الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يوليو 21، 2024

أحلم بأرض لم تدنسها أفعى الخطيئة: عبده حقي


في وحدتي الهادئة، أحلم بأرض لم تدنسها خطيئة الفاكهة المحرمة. تمتد هذه الأرض إلى ما لا نهاية تحت سماء تنبض بألوان ألف فجر. هنا، يكون الوقت عبارة عن تموج لطيف على سطح بحيرة بلورية، لا تميزه تيارات التاريخ المضطربة. الهواء كثيف برائحة الاحتمالات التي لا تُحصى، وكل نفس هو وعد بشيء نقي، شيء أبدي.

في هذه الأرض، لا توجد أفعى تهمس بالخداع في آذان الأبرياء. تقف الأشجار القديمة والحكيمة شامخة غير مثقلة بالذنوب. تهمس أوراقها بأسرار عالم حيث يولد كل خيار من الحب، وليس الخوف، وكل طريق يؤدي إلى النور، وليس الظل. الثمار التي تحملها ذهبية ولامعة، مليئة برحيق الحقيقة وجوهر الأحلام غير الملوثة بلمسة الرغبة التآكلية.

أتجول عبر حقول خضراء زمردية، حيث يغني العشب بهدوء تحت الأقدام. كل نصل هو شهادة على مرونة الحياة، التي تنمو طويلة وحرة دون الحاجة إلى الغزو أو التملك. تتفتح أزهار من كل لون يمكن تخيله في فوضى متناغمة، وتفتح بتلاتها في رقصة من التحرر المبهج. السماء أعلاه عبارة عن لوحة قماشية متغيرة باستمرار، مرسومة بضربات فرشاة الإله، تعكس الإبداع اللامحدود الذي يتدفق عبر هذا العالم المقدس.

في هذا المشهد الحالم، تشق أنهار من الفضة طريقها عبر المناظر الطبيعية، ومياهها صافية كضحك طفلة. تتعرج هذه الأنهار بهدوء، ولا تتعجل أبدًا، فلا داعي للتسرع في عالم لم يفسده شبح الخسارة. وعلى ضفافها، تتجمع المخلوقات الكبيرة والصغيرة في تواصل سلمي، وتعكس عيونها صفاء الحياة التي عاشها الإنسان في توازن. وتغني الطيور أغاني الحكمة القديمة، وألحانها بلسم مهدئ للروح.

لا جدران في هذه الأرض، ولا حواجز تمنع قلبًا من قلب آخر. يتدفق الحب بحرية، نهر من الدفء والضوء يغذي كل ما يلمسه. يتحرك الناس برشاقة وعزم، وتتوهج وجوههم بالإشراق الداخلي لأنهم في المكان الذي ينتمون إليه بالضبط. لا يوجد خوف هنا، ولا غضب أو حزن . كل لحظة هي هدية، مكسوة بالاحترام والامتنان.

أحلم بمكان لا تزال تتردد فيه أصداء عدن، حيث لم يحدث السقوط قط وحيث تظل البراءة غير ملوثة. في هذه الأرض، أصبحت الفاكهة المحرمة أسطورة، حكاية تحذيرية تُروى للأطفال لتذكيرهم بجمال عالمهم غير الملوث. لا يوجد خجل، ولا حاجة إلى التستر أو الإختفاء. يقف كل كائن بفخر في حقيقته، وتتحول نقاط ضعفه إلى نقاط قوة بنور القبول اللطيف.

النجوم هنا أقرب، وتألقها تذكير دائم باتساع الكون ومكاننا فيه. تهمس النجوم بقصص الخلق والدمار، ودورات مستمرة بلا نهاية، تنسج الوجود. ومع ذلك، في هذه الأرض، لا يوجد خوف من المجهول. الليل ليس وقتًا للظلام، بل هو لوحة تحلق فيها الأحلام، مضاءة بتوهج الأمل الخافت.

ترتفع الجبال في شموخ وجلال في البعيد، وتلامس قممها السماء. وتقف كحراس صامتين، حراسًا لهذه المملكة البكر. وتغطي الغابات دائمة الخضرة منحدراتها، وكل شجرة تشهد على قدرة الحياة على التحمل. وتحمل الرياح التي ترقص بين أغصانها معها أغاني القدماء، وهي جوقة من الأصوات التي تتحدث عن السلام والوئام.

هنا، لست وحدي. تسير بجانبي أرواح أولئك الذين سبقوني، ووجودهم يذكرني باستمرارية الحياة. يتحدثون همسًا، وكلماتهم دليل لطيف عبر متاهة الوجود. في عيونهم، أرى انعكاسات روحي، مرآة لا نهاية لها من الاتصال والتفاهم. معًا، نسير على دروب هذه الأرض، ونستكشف عجائبها ونكشف أسرارها.

أحلم بأرض لا تخيم عليها ظلال الماضي، ولا يخفت نور المستقبل بأخطاء الأمس. في هذا المكان، كل خطوة هي صلاة، وكل نفس هي ترنيمة تسبيح. لا حاجة إلى التكفير، لأنه لا يوجد ما يكفر عنه. الأرض نقية، وجمالها لا تشوبه شائبة ندوب الخطيئة. إنه مكان حيث تستطيع الروح أن تستريح، خالية من أعباء الذنب والندم.

0 التعليقات: