الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يوليو 07، 2024

قصة قصيرة (الأوركسترا الصرصورية الصيفية) عبده حقي


في سيمفونية المدينة النائمة الصامتة، حيث يرسم ضوء القمر القصبات باللون الفضي البارد، تحتل أوركسترا مختلفة مركز الصدارة. إنها ليست صرخة قطة ضالة حزينة، ولا تنهيدة رياح الصحراء؛ إنها الجوقة المربكة لآلاف من الفك السفلي - الأوبرا الليلية للصرصور.

أغنيتهم عبارة عن باليه فوضوي من التغريدات، كل منها عبارة عن مفصل صغير صدئ يفتح ويغلق في الظلام الداكن. إنها لغة غريبة ومألوفة بشكل غريب في نفس الوقت، رمز إيقاعي ينقر على الطبلة المجوفة للزوايا المنسية. تخيل ألف لسان صغير، يحتك بأسنان مسننة، صوت جاف ولحني بشكل غريب.

يمكن للمرء أن يسميها لحنًا للاضمحلال، ترنيمة للفتات المنسي والجلد المتساقط الذي يتناثر في الزوايا غير المرئية من عالمنا. كل منهم يغرد احتفالاً بالعيد الذي يجده في الممالك المظللة أسفل الثلاجة، خلف ورق الحائط المتقشر. إنهم أوركسترا غير المرغوب فيهم، ومنشدو القمامة، وموسيقاهم هي شهادة على مرونة الحياة في أكثر الأماكن غير المتوقعة.

ولكن استمع عن كثب، وسيتحول النقيق. تصبح لغة همسات، ثرثرة صامتة متبادلة بين الحشود الكيتينية. يتحدثون عن ممرات منسية، وعن أنفاق سرية تتسلل عبر الجدران، وعروق غير مرئية تنبض في قلب المدينة. إنهم يغنون عن الكنوز المنسية: قرط ضائع، ورخام طفل منسي، يلمع مثل نجم في الشفق الدائم لمملكتهم.

هناك روح الدعابة السوداء في أغنيتهم، عرموش ساخرة تتحدث عن عالم غير مبال بوجودهم. إنهم الشهود الصامتون على حياتنا، ويتحركون عبر الأرضيات أثناء نومنا، ويراقبون لحظاتنا الأكثر حميمية. وتتحول زقزقتهم إلى جوقة من السخرية، وتعليق ساخر على الطبيعة العابرة لدرامانا الإنسانية.

كلما اشتد الليل اشتدت الزقزقات. إنها تنسج تعويذة منومة، إيقاعًا نابضًا يحفر في أحلامك. تراهم بعد ذلك، في مشهد نومك الدوامي - مليون ظهور لامعة، تتلألأ مثل خنافس السج تحت قمر فسفوري. تتأرجح أرجلهم في رقصة ساحرة، وترتعش قرون استشعارهم في الوقت المناسب مع التغريدة المحمومة.

لكن الحلم يأخذ منعطفا. تتحول الرقصة المرحة إلى رقصة عصرية خطيرة. يصبح النقيق نشازًا، هديرًا يصم الآذان يهدد بإغراقك. تتضخم هذه المخلوقات الصغيرة في الحجم، وينقر فكها السفلي بجوع وحشي. أنت محاصر في متاهة من صنعك، ضائع في عالم يصبح فيه المألوف وحشيًا.

ثم، مع بزوغ الفجر الأول، تتوقف السيمفونية فجأة. يختفي فناني الأداء في الشقوق ، تاركين وراءهم صمتًا مقلقًا. تستيقظ المدينة، غافلة عن الحفل الليلي الذي حدث للتو. لم يبق لك إلا ذكرى النقيق، الصدى المؤلم في غرف عقلك.

ويظل السؤال قائما: هل هي أغنية احتفال أم نشيد يأس؟ ربما هو على حد سواء. ربما يكون هذا تذكيرًا بالعوالم الخفية الموجودة تحت أقدامنا، وشهادة على تماسك الحياة، حتى في أكثر الأشكال غير المتوقعة. في المرة القادمة التي تسمع فيها حفيف صرصور في جوف الليل، لا تسحقه بعيدًا. انصت بانتباه. قد تكتشف للتو سيمفونية مخفية، أغنية مرونة تهمس بلغة النقرات والزقزقة.

0 التعليقات: