الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، يوليو 29، 2024

"لقاء" قصة قصيرة عبده حقي


بدا فيها الزمن وكأنه يحبس أنفاسه، معلقًا بنا في حلم من الألفة. كنا مستلقين هناك، متشابكين، محاصرين في التوازن الدقيق بين ما كان وما لن يكون أبدًا. كانت أجسادنا نسيجًا من الدفء والسكينة، مطليًا بظلال من العاطفة والراحة.

ألقى ضوء الشمس الكهرماني المغيب حجابًا ذهبيًا علينا، فغمر أجسادنا بنور ناعم متسامح يملس حواف العالم الخشنة. لقد لف ذراعه القوي حولي لحمايتي، ويرسخني في أمان حضنه. لقد شعرت بارتفاع وانخفاض صدره، كل نفس كان بمثابة تهويدة تعزف إيقاع قلبي الهادئ. لقد كان جلده، الذي قبلته الشمس، بمثابة لوحة فنية بحد ذاتها، سيمفونية من القوام والنغمات التي تحكي قصة حياة عاشها بشغف ورشاقة.

وكان وجهه الهادئ في نومه دراسة للتناقضات - خطوط حادة خففتها رقة النوم، وظلال الليل تتراجع لتكشف عن الضعف الكامن تحتها. كان شعره الداكن، الأشعث والمتوحش، يؤطر وجهه مثل هالة من الليل، في تناقض صارخ مع الضوء الأثيري الذي يلامس ملامحه. تتبعت منحنى جبينه بنظري، وتوقفت عند الرموش التي استقرت مثل الريش الرقيق على خده، وامتلأت بإحساس ساحق بالدهشة من جمال وجوده.

لقد شعرت بأن جسدي، الذي كان ملفوفًا بأرق درجات اللون الوردي، كان أشبه بزهرة في أوج ازدهارها، تتفتح بتلاتها في أحضان الفجر الرقيقة. لقد تشبث نسيج ثوبي بي في موجات لطيفة، همسة من الحرير تعكس سيولة اتصالنا. كان الانتفاخ اللطيف لصدري يرتفع وينخفض ​​مع كل نفس، سيمفونية من الحياة تتناغم مع سيمفونيته الخاصة. لقد كنت على دراية بكل شبر من اتصالنا، وكل نقطة حيث التقى جلدنا، علاقة مقدسة من الدفء والحنان تتجاوز حدود الجسد.

لقد تلاشى العالم من حولنا في ضباب من التركيز الناعم، وذابت تفاصيل محيطنا في مشهد حلم من الألوان الخافتة والأشكال اللطيفة. كانت الزهور التي أطرت راحتنا عبارة عن شغب من الأزهار البيضاء، وكانت بتلاتها الرقيقة شهادة على الجمال الهش للطبيعة. لقد كانت جوقة صامتة، وكان وجودها تذكيرًا بطبيعة الحياة والحب الزائلة، ومع ذلك فقد وقفت في تحد هادئ، شهادة على القوة الدائمة للجمال والنعمة.

في تلك اللحظة، كنا بلا حدود، وكان حبنا منارة تتجاوز قيود الزمان والمكان. كنا تجسيدًا لحلم، ووعدًا هامسًا بالحب الأبدي، تم التقاطه بضربات فرشاة الفنان الناعمة. كانت أرواحنا، العارية في حميمية أحضاننا الهادئة، تتحدث بلغة الحب والشوق التي لا تحتاج إلى كلمات، سيمفونية صامتة تردد صداها عبر ممرات الأبدية.

عندما نظرت إلى وجهه، انتفخ قلبي بحب عميق لدرجة أنه شعر وكأنه سينفجر من صدري. لقد امتلأت بإحساس ساحق بالامتنان لتلك اللحظة، للحياة التي بنيناها معًا، للذكريات التي لا تعد ولا تحصى التي نسجناها في نسيج وجودنا. كانت كل نفس، كل لمسة، كل كلمة همس بها خيطًا في نسيج حبنا، وشهادة على قوة ومرونة رابطتنا.

في هدوء أحضاننا، تذكرت الرحلة التي قادتنا إلى هناك، والمحن والشدائد التي واجهناها، والقوة التي لا تتزعزع لحبنا. لقد صمدنا في وجه العواصف واستمتعنا بدفء غروب الشمس الذي لا يحصى، وكان حبنا منارة ثابتة أرشدتنا عبر أحلك الليالي وألمع الأيام.

 

وبينما كان العالم خارج نافذتنا يستمر في التحول، ظللنا ثابتين في حبنا، عمود القوة والسكينة في عالم كان غالبًا ما يكون فوضويًا وغير قابل للتنبؤ. في تلك اللحظة، كنا بلا حدود، وكان حبنا شهادة خالدة على جمال الروح البشرية والقوة الدائمة للتواصل.

لقد أغمضت عيني وسمحت لنفسي بأن أحاط بدفء عناقه، وكان ارتفاع وانخفاض صدره اللطيف بمثابة بلسم مهدئ لروحي. لقد كنت في سلام، راضية بمعرفة أنه مهما كان المستقبل، فسوف نواجهه معًا، وأن حبنا هو النور الذي سيحملنا عبر أحلك الأوقات وألمع الأيام.

في هدوء الأمس، كنا واحدًا، كانت قلوبنا وأرواحنا متشابكة في رقصة قديمة قدم الزمن نفسه. كنا الحالمين والمُحلم بهم، وصانعي مصيرنا، مرتبطين معًا بحب لا نهائي ودائم مثل النجوم في سماء الليل.

وبينما استمر العالم الخارجي في الدوران، بقينا هناك، في تلك اللحظة من الهدوء التام، شهادة على القوة الدائمة للحب والجمال الهادئ لوجودنا المشترك.

0 التعليقات: