الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أغسطس 02، 2024

"شجرة البلوط" قصة قصيرة ترجمة عبده حقي


قرية موجودة دائمًا في ظل الديروود. شجرة بلوط قديمة، أقدم من الذاكرة نفسها، كانت تقف حارسًا على حافة القرية، صورة ظلية شاهقة معقودة على قماش السماء المتغير باستمرار. إيلارا، وهي امرأة شابة ذات عيون بلون الطحلب وشعر مثل الأرض الداكنة، شعرت بوجود خشب الديروود بشدة. لم يكن الأمر يتعلق فقط بحجمها المهيب أو الطريقة التي تخدش بها أغصانها السماء مثل الأيدي المتهالكة. لقد كان شعورًا، رنينًا عميقًا ينبض بداخلها، وهمسًا في دمها.

تحدث القرويون عن خشب الديروود بنبرة خافتة. لقد كان مكانًا للتبجيل والخوف، ومستودعًا للذكريات المنسية والأسرار الهامسة. ادعى البعض أن جذورها تغلغلت في أعماق الأرض، وتشابكت مع عظام العالم ذاتها. وأقسم آخرون أنهم سمعوا أصواتاً تحملها الريح، قصصاً عن أولئك الذين رحلوا منذ زمن طويل. شعرت إيلارا، على عكس الآخرين، بالانجذاب نحو الديروود، ورغبة لا تقاوم في كشف أسرارها.

في صباح أحد أيام الخريف، أصبحت الهمسات أقوى من أن نتجاهلها. تفرقع الهواء بطاقة غريبة، وتلألأت أوراق أشجار القرية بذهب غير طبيعي. شعرت إيلارا بشدّة في قلبها، نداء لم تستطع التخلص منه. متجاهلة تحذيرات جدتها، المرأة التي يحمل وجهها نقوشًا لفصول الخريف التي لا تعد ولا تحصى والتي قضتها تحت أنظار إلدروود الساهرة، انطلقت إيلارا نحو الغابة المحرمة.

كان الطريق المؤدي إلى الديروود مختنقًا بالشجيرات، وهو نسيج متشابك نسجه الزمن والإهمال. كافح ضوء الشمس لاختراق المظلة الكثيفة فوق رؤوسنا، مما أدى إلى ظهور شفق غريب على أرضية الغابة. امتدت الفروع الملتوية مثل الأصابع الهيكلية، وكان الهواء معلقًا برائحة الأرض الرطبة والأوراق المتحللة.

وبينما كانت إيلارا تتعمق أكثر، ارتفعت الهمسات في رأسها. لم تكن كلمات، بل صورًا مجزأة: ضحكة طفل، رنين المعدن، رائحة دخان الخشب. بدت الغابة وكأنها تنبض بحضورهم، كنسيج حي منسوج من خيوط الذاكرة.

وفجأة، انهار الطريق تحت قدميها، ووجدت إيلارا نفسها تسقط على منحدر شديد الانحدار. تحول العالم إلى مشهد فوضوي من اللونين البني والأخضر حتى هبطت بضربة قوية على سرير من الطحالب الناعمة. في حالة ذهول، جلست، وقامت بتقييم ما يحيط بها.

لقد كانت في مساحة خالية مخفية، مغمورة في وهج أثيري ينبعث من جذر عملاق عقدي يلتف عبر الأرض مثل الثعبان النائم. كان سطحه عبارة عن لوحة من الزمن، محفورة بأنماط دوامية ورموز غامضة. ومع اقتراب إيلارا، اشتدت الهمسات، واجتمعت في صوت واحد واضح.

"مرحبًا يا طفلة ويسبروود،" هادر صوت عميق بدائي تردد صداه في عظامها. "لقد أتيت أخيرًا."

إيلارا، وقلبها يدق في صدرها، نظرت حولها لكنها لم تر أحداً.

"من أنت؟" غامرت، صوتها بالكاد همس.

أجاب الصوت: "أنا الديروود". "أنا قبضة الزمن الشائكة، ولحاء قلبي نسيج منقوش همسات الفصول."

ابتلعت إيلارا صوتها، وشعرت بمزيج غريب من الرهبة والخوف يتحرك في بطنها. "لماذا تتصل بي هنا؟" هي سألت.

ازدهر الصوت بتسلية خافتة. "أنت تحمل الهمسات بداخلك أيها الطفل. أنت جسر بين الأجيال، وحافظ للقصص التي تنتظر أن يتم اكتشافها."

تحدث إلدروود عن تأسيس القرية، وهو الوقت الذي عاش فيه البشر والطبيعة في وئام. تحدثت عن الحرف المنسية والتقاليد المنسية، وحكايات تهمس في الريح وتنقوش في لحاء أطرافها القديمة. تحدث إلدروود عن الظلام الذي كان يتعدى، والجشع الذي يهدد بقطع العلاقة بين البشر والأرض.

وبينما كانت إيلارا تستمع إلى كلامها، نشأ بداخلها شعور بالهدف. لم تكن هذه مجرد قصص. لقد كانوا بمثابة دعوة للعمل. كان عليها أن تشارك هذه الدروس المنسية مع شعبها، لتذكيرهم بمسؤوليتهم تجاه الأرض التي تدعمهم.

بدأت الشمس تتراجع تحت الأفق، وتلقي بظلالها الطويلة على الفسحة. بقلب مثقل، علمت إيلارا أن الوقت قد حان للمغادرة. يحثها صوت خشب الدروود الذي يتردد صداه بشكل خافت في ذهنها، على العودة، لتصبح صوت الماضي، وحائك القصص المنسية.

خرجت إيلارا من الغابة، وتلمع في الضوء الذهبي لغروب الشمس. بدت القرية مختلفة إلى حد ما، أصغر حجمًا وأكثر هشاشة على خلفية شجرة الدروود. عند عودتها إلى المنزل، بحثت عن جدتها، وقلبها يفيض بالقصص التي كان عليها مشاركتها.

استمعت جدتها بصبر، وعيناها ممتلئتان بالحزن العارف. قالت أخيراً: "لقد كانت الهمسات قوية فيك دائماً يا إيلارا". "لقد كانت مسألة وقت فقط قبل أن يتصل الديروود."

ومنذ ذلك اليوم، أصبحت إيلارا راوية القرية. وهي كل مساء

0 التعليقات: