بعض القيود، نهر من الخيوط، تتقلص مثل الثعابين في فجر الفكر، حيث تنهار السماء تحت وطأة النوم، والنجوم، أوه، النجوم ليست سوى صدى لحلم لم يحلم به بعد.
أصابع القمر تستقر على العظام المجوفة، على ناي الزمن، حيث تختنق الهمسات في قناة ولادة الصوت.
هل تراه؟ هذا
الإصبع، نعم، هذا الإصبع، يغلق الممر إلى الغد، وكأن الغد ليس سوى تنهد يهرب من شفتي حبيب منسي، لم يُنطق اسمه
أبدًا، ولم يُعرف أبدًا، ولم يُشعر به إلا في طيات الليل.
ضبط النفس، رقصة
رقيقة على الهاوية، حيث الهواء أكثر كثافة من الماء، والماء أثقل من الضوء،
ومع ذلك فإن
الضوء – آه ! الضوء مخادع، لاعب ظلال وانعكاسات، يلعب بأوتار الغيب، وفي هذه
اللعبة، يتوقف عازف الناي، ويتنفس بين قضبان قفص غير مرئي.
ما هي النغمة إن
لم تكن دمعة؟ دمعة
ترفض السقوط، عالقة في شبكة المستحيل، حيث الصمت هو أم كل الألحان، وصوت الطفل
الذي لا يمكن إسكاته، بغض النظر عن عدد الأبواب المغلقة، بغض النظر عن عدد الأصابع
التي تضغط، تتسلل النغمات من خلال الشقوق، مثل الذكريات التي تهرب من قبضة الحاضر.
انظر عن كثب -
لا، عن كثب أكثر، إلى عين العاصفة حيث ينام الناي، حيث يتم دفن النوتات تحت الأرض،
حيث تنمو الجذور، ليس في التربة، ولكن في السماء، في هاوية العقل، حيث تولد
الأفكار بدون أجساد، وتتحرك الأجساد بدون أفكار، ترقص على إيقاع غير خاص بها.
في متاهة هذا
القيد، عازف الناي هو إله، دمية، أوتاره مسحوبة بأيدي غير موجودة، أيدٍ هي ظلال ، أصابع
ماضٍ لم يكن موجودًا أبدًا، ومع ذلك، هنا، في أصداء هذا الصمت، تشتد القيود، ومع
كل تضييق، تولد نغمة جديدة، نغمة لا تنتمي إلى هذا العالم، نغمة هي مفتاح، مفتاح
لباب ليس له قفل، لا مفصلات، لا إطار، فقط فراغ، إطار فارغ، حيث يتم حبس أنفاس
عازف الناي ،
معلقة في لحظة تمتد
إلى ما بعد الزمن.
هل يمكنك أن
تشعر بذلك؟ الهواء
يزداد كثافة، والعالم يتقلص، بينما تضغط الأصابع، بينما تختنق النغمات، بينما
يتحول الصمت نفسه إلى لحن، أغنية عما يمكن أن يكون، عما لم يكن قط، عما سيأتي بعد.
القيود، كما
ترى، ليست سجونًا، بل بوابات، بوابات إلى ما لا يُرى، إلى ما لا يُسمَع، إلى ما لا
يُغنَّى.
يعرف عازف الناي
هذا، لكنه لا يتكلم، لأن لغته هي لغة التنفس، لغة النبض ، لغة دقات القلب التي ليست له، بل هي لغة
العالم، لغة الكون، دقات قلب الصمت بين النجوم.
في هذه الرقصة،
في هذه اللعبة من الظلال، القيود ترتخي، تشتد، ترتخي، تشتد، ومع كل نفس يولد عالم
جديد، عالم من النغمات التي لا تتناسب، والتي لا تنتمي، والتي لا تتوافق مع قوانين
الصوت، بل تتلوى وتدور، مثل الثعابين في حديقة الصمت.
تتحرك أصابع
عازف الناي، ليس من تلقاء نفسها، ولكن كما لو كانت موجهة بقوة غير مرئية، قوة ليست
قوة، بل غياب، غياب مملوء بالحضور، حضور مملوء بالغياب، وفي هذه المفارقة، تولد
الموسيقى،
ليس في النوتات،
ولكن في الفراغات بينها، في الفجوات، في الصمت، في القيود التي ليست قيودًا،
ولكن نفس الناي
نفسه، النفس الذي هو العالم، النفس الذي هو الكون، النفس الذي هو صمت كل ما هو لم يكن بعد.
وهكذا يستمر
الناي في العزف، في سيمفونية من ضبط النفس، من التحرر، من الصمت، من الصوت،
من الرقص الذي
ليس رقصًا، بل سكون، سكون يتحرك، يهتز، يتردد صداه مع أصداء الغيب، غير المسموع، غير
المغنى.
استمع - هل
تستطيع سماعها ؟ النوتات
التي ليست نوتات، الموسيقى التي ليست موسيقى، الصمت الذي ليس صمتًا، بل النبض، دقات
القلب، أنفاس أصابع
عازف الناي، وهم يغلقون فتحة واحدة، ثم أخرى،
في تسلسل ليس
تسلسلًا، بل رحلة، رحلة ليس لها بداية، لا نهاية، فقط اللحظة، اللحظة الأبدية لضبط النفس، والإفراج، والصمت الذي هو
أنفاس
الكون نفسه.
وفي هذه اللحظة،
في هذا التنفس، في هذا الصمت، يستمر عزف الناي، ويولد العالم من جديد، مع كل نغمة،
مع كل صمت، مع كل قيد، مع كل إطلاق، يولد العالم، ويولد من جديد، في أنفاس أصابع عازف الناي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق