نشر مركز بيو للأبحاث، وهو مؤسسة مرموقة تشتهر بأبحاثها الديموغرافية والاجتماعية، تقريرًا شاملاً يلقي الضوء على تدين الدول في جميع أنحاء العالم. وقد غطي هذا التقرير المسوحات التي أجريت بين عامي 2008 و 2023، وقدم نظرة عامة مفصلة على أهمية الدين في مختلف البلدان، وكشف عن أنماط واتجاهات مثيرة للاهتمام. ومن بين النتائج الأكثر لفتًا للانتباه أن المغرب برز كأكثر دولة متدينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفقًا للتقرير، يؤكد 90٪ من المغاربة على أهمية الدين في حياتهم اليومية، حيث يشارك 70٪ من السكان في الصلاة اليومية.
إن المرتبة
العالية التي احتلها المغرب في تقرير مركز بيو ليست مفاجئة تماما نظرا للتراث
الديني الراسخ في البلاد. فالإسلام ليس فقط الدين السائد في المغرب بل إنه أيضا
جانب مركزي من هوية الأمة وثقافتها وتدبير شؤونها اليومية. ويعترف الدستور المغربي
بالإسلام باعتباره دين الدولة، ويحمل ملك المغرب لقب "أمير المؤمنين"،
وهو ما يؤكد دوره كزعيم ديني بالإضافة إلى مسؤولياته السياسية. ويسلط هذا الدور
المزدوج للملك الضوء على التشابك بين الدين والدولة، والذي يتخلل جوانب مختلفة من
الحياة في المغرب.
وتعكس نتائج
الاستطلاع التي تشير إلى أن 90% من المغاربة يؤكدون على أهمية الدين في حياتهم
التأثير العميق للإسلام على نظرة السكان للعالم. فالدين ليس مجرد نظام اعتقاد شخصي
في المغرب؛ بل هو قوة اجتماعية تشكل المعايير والقيم والسلوكيات. والصلوات
اليومية، التي يُقال إن 70% من المغاربة يؤدونها، هي شهادة واضحة على الطبيعة
الشاملة للممارسة الدينية في البلاد. وهذه الصلوات، التي تُؤدى خمس مرات في اليوم،
ليست مجرد أعمال عبادة، بل إنها بمثابة تذكير بالإطار الروحي والأخلاقي الذي يوجه
حياة الملايين من المغاربة.
و إذا كان المغرب
باعتباره الدولة الأكثر تديناً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقاً لتقرير
بيو، فمن الضروري أن نأخذ في الاعتبار كيفية مقارنته بجيرانه. تشتهر منطقة الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا بتقاليدها الدينية القوية، حيث يعتبر الإسلام الدين السائد
في معظم البلدان. ومع ذلك، يمكن أن تختلف درجة التدين بشكل كبير من بلد إلى آخر.
في بلدان مثل
المملكة العربية السعودية وإيران، يلعب الدين دوراً حاسماً في الحكم والحياة
العامة . ومع ذلك، يشير تقرير بيو إلى أن مستوى التدين الشخصي ــ الذي يقاس بأهمية
الدين لدى الناس ومدى تكرار ممارساتهم الدينية ــ قد لا يكون مرتفعاً على نطاق
واسع في هذه البلدان كما هو الحال في المغرب. ويمكن أن يعزى هذا إلى عوامل مختلفة،
بما في ذلك الاختلافات في الديناميكيات الاجتماعية والسياسية، ومستويات التحضر،
والتعرض للتأثيرات العلمانية.
على سبيل
المثال، في المناطق الأكثر تحضراً وتنوعاً، مثل دبي في الإمارات العربية المتحدة
أو بيروت في لبنان، قد يكون هناك تنوع أكبر في التعبيرات الدينية وحضور أكبر
للأفراد العلمانيين أو غير المتدينين. ويمكن لهذا التنوع أن يؤثر على التدين العام
للسكان، مما يؤدي إلى انخفاض نسبة الأشخاص الذين ينظرون إلى الدين باعتباره محوراً
لحياتهم مقارنة بالمغرب، حيث تظل المناطق الريفية والممارسات التقليدية مؤثرة.
إن النتائج التي
توصل إليها تقرير مركز بيو لها آثار أوسع نطاقاً على فهم الدور الذي يلعبه الدين
في السياسة العالمية والثقافة والمجتمع. إن ارتفاع معدلات التدين في المغرب يشير
إلى مقاومة البلاد لاتجاهات العلمانية التي لوحظت في أجزاء أخرى من العالم، وخاصة
في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. ففي هذه المناطق، كان هناك تراجع ملحوظ في
الانتماء الديني والممارسة الدينية على مدى العقود القليلة الماضية، وهو الاتجاه
الذي يتناقض بشكل حاد مع الوضع في المغرب ومعظم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويسلط التقرير
الضوء أيضاً على الإمكانات التي تتمتع بها الديانة كقوة توحيدية في المجتمع
المغربي. ففي عالم حيث التوترات والصراعات الدينية ليست نادرة، فإن القيم الدينية
المشتركة في المغرب قد تساهم في التماسك الاجتماعي والاستقرار. ومع ذلك، فإن هذا
التدين قد يفرض أيضاً تحديات، وخاصة في تحقيق التوازن بين القيم الدينية التقليدية
ومتطلبات التحديث والعولمة.
على سبيل
المثال، مع استمرار المغرب في التطور اقتصادياً واجتماعياً، قد تزداد الضغوط لتبني
منهج أكثر علمانية في الحكم والحياة العامة. وقد يؤدي هذا إلى توترات بين أولئك
الذين يدافعون عن الحفاظ على الممارسات الدينية التقليدية وأولئك الذين يسعون إلى
تحديث المجتمع المغربي بما يتماشى مع الاتجاهات العالمية. وتشير نتائج تقرير بيو
إلى أن أي تغييرات من هذا القبيل سوف تحتاج إلى إدارتها بعناية لتجنب تنفير الجزء
الكبير من السكان الذين يشكل الدين بالنسبة لهم جانباً مركزياً من هويتهم.
يقدم تقرير مركز
بيو عن التدين العالمي رؤى قيمة حول المشهد الديني في العالم، حيث يبرز المغرب
باعتباره البلد الأكثر تديناً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتؤكد نتائج
التقرير على الأهمية العميقة للدين في حياة المغاربة، حيث يؤكد 90٪ منهم على
أهميته ويمارس 70٪ منهم الصلوات اليومية. وبينما يتنقل المغرب عبر تعقيدات التحديث
والعولمة، فإن دور الدين سيظل بلا شك عاملاً حاسماً في تشكيل مستقبل البلاد. ويعمل
تقرير بيو كتذكير بالقوة الدائمة للإيمان في عالم علماني متزايد، مما يسلط الضوء
على المكانة الفريدة للمغرب كمعقل للتدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق