في ساعة السج، حيث تنسج الظلال لغزها السري، سقطت السماء، مقلوبة على الأرض، ستارة من الغموض. ليست زرقاء، بل مخمل وعود الليل المنسيّة، حيث النجوم أفكار معتقلة ، محاصرة في شبكة الرياح القديمة.
في هذا العالم، لا تشرق الشمس، بل تغرق في شروق ذاتها، عين ذهبية، جمرة ، تعكس جنون حلم لا يجرؤ أحد على اللحاق به.
التفاح، أحمر
مثل شفاه عاشق أبكم، معلق في الهواء، غير متأثر بثقل الوقت، ينجرف مثل الهمسات، مثل تنهدات الأغاني
المنسية، كل منها عالم، سر، اسم لم يُنطق به بصوت عالٍ.
إنهم ينبضون
بإيقاع الأرض، ولكنهم غير مقيدين، معلقين بخيوط الخيال، لا يسقطون ولا يرتفعون،
مجرد وجودهم ، بالمعنى الأكثر نقاءً.
تحت قوس القمر
المستحيل، تنمو شجرة بلا جذور، بلا أوراق، تتلوى أغصانها مثل أفكار مجنون،
تتجه نحو السماء
التي تخلت عنها منذ زمن طويل.
كل عقدة في
الغابة، ذكرى، لحظة، نحتتها أيدي الآلهة الذين نسوا هدفهم، ولم يتركوا وراءهم سوى أصداء ضحكاتهم.
في هذه الأرض
ذات التراب المقلوب، حيث يتراجع الوقت إلى الوراء، الجبال من زجاج،
تعكس وجوه أولئك
الذين رحلوا بعيدًا في الليل، عيونهم واسعة برعب المعرفة.
تتدفق الأنهار معكوسة
إلى الأعلى، تحمل أحلام المكسورين، إلى السماء، حيث تذوب في الأثير،
وتصبح واحدة مع
الفراغ، والعدم، هذا هو مهد كل الخلق.
وماذا عن تلك
الأشباح الغريبة والجميلة، التي تتحرك مثل الظلال على الحائط؟
إنهم أبناء
القمر، ولدوا من النور والظلام، من الحب واليأس، وجوههم مخفية خلف أقنعة من الفضة
والذهب، وأصواتهم عبارة عن جوقة من الصلوات المنسية، يتردد صداها عبر ممرات الأبدية.
أحدهم يحمل
مرآة، لكن الانعكاس ليس مرآة نفسه، إنه وجه العالم، ملتوٍ ومشوه، محاكاة ساخرة للواقع، وسخرية من
الحقيقة. وآخر يحمل مفتاحًا، لكنه لا يفتح أي باب، لأنه لا توجد أبواب في هذا المكان، فقط
نوافذ، تطل على فراغ يمتد إلى الأبد، فراغ هو البداية والنهاية، الألفا والأوميغا، كل شيء ولا شيء.
والثالثة، آه،
الثالثة، تحمل زهرة، رقيقة وهشة، وردة تتفتح فقط في أظلم الليالي، بتلاتها سوداء كأجنحة الغراب، رائحتها مثل همس الموت، ولكن في قلبها، هناك حياة، شرارة صغيرة، وميض أمل، يرفض أن ينطفئ.
في هذا العالم الطافح
بالحمق، حيث يصبح المستحيل ممكنًا، والممكن أكذوبة، تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الواقع
والحلم، حتى لا يتبقى شيء سوى الرقص، الرقصة الأبدية للخلق والدمار، الحب والكراهية، الحياة والموت، رقصة ليس لها بداية ولا نهاية، رقصة هي جوهر الوجود.
السماء، الآن عبارة
عن لوحة من الأحلام المنسيّة، تنزف في الأرض، نهرًا من اللون
المنصهر، يتدفق، ويدور، ويندمج في بحر الأفكار، الذي يكمن تحت سطح كل الأشياء. في هذا المكان، حيث العقل حر في
التجول، لاستكشاف أقصى مدى للخيال، العالم عبارة عن قصيدة، مكتوبة بلغة
الروح، قصيدة ليس لها عنوان، ولا مؤلف، فقط حفنة كلمات، الكلمات الجميلة
الرهيبة، التي هي قلب كل ما هو وكل ما سيكون على الإطلاق.
وهكذا، يستمر
الليل في رحلته الأبدية، عبر متاهة الأحلام والكوابيس، بتوجيه من ضوء نجم يحتضر،
الذي سيولد في
أنفاسه الأخيرة كونًا جديدًا، كونًا من السماوات المقلوبة والتفاح
العائم، من الأشجار التي لا جذور لها والجبال الزجاجية، كون لا وجود له إلا في الغيب، ومع ذلك فهو حقيقي مثل الهواء الذي
نتنفسه، ملموس مثل الحب الذي يربطنا جميعًا. لأننا في النهاية، جميعًا أبناء القمر، نتجول عبر ظلال خلقنا، نبحث عن المفتاح الذي سيفتح الباب، إلى عالم يقع خارج نطاق فهمنا، عالم حيث السماء ليست هي الحد، ولكن مجرد البداية، عالم حيث الأحلام والواقع شيء واحد، والحقيقة الوحيدة هي حقيقة القلب.
فلنرقص إذن يا
حبيبتي،
فلنرقص تحت
السماء المقلوبة،
فلنرقص مع
الظلال، ومع الأشباح، ومع الأحلام التي تطاردنا والكوابيس التي تدفعنا، ففي هذه الرقصة، سنجد حريتنا،
وفي هذه الرقصة،
سنجد أنفسنا،
وفي هذه الرقصة،
سنصبح واحدًا مع الكون،
وفي تلك اللحظة،
سنعرف الحقيقة،
الحقيقة التي
تكمن في قلب كل الأشياء،
والحقيقة التي
هي جوهر السماء المقلوبة للأحلام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق