وجه من رمل وحديد، يخرج من ركام النسيان، حطامًا يبحث عن الضوء، تذوب النجوم في غمغمات الظلال المسننة، والقمر المتفرج الأخرس يكشف دموعه شظايا من فضة.
البيوت التي أصبحت عظام مدينة نائمة، تتلوى تحت صرخات النفوس الممزقة، نوافذها الفارغة عيون عمياء، شاهدة على أسرار تخنقها الحرب في صمت ميت.
ظلٌّ متخفٍ
بحجابٍ من الغبار واليأس، ينهض بين الخرائب كشبحٍ من الأساطير القديمة، يديها
الهزيلتان تصلان نحو السماء، باحثةً عن نجومٍ ضاعت في هاوية الدمار.
تنهار الجدران،
كل شقوق منها طريق إلى المجهول، والجدران الخرسانية تهمس بالدعوات بأصداء متكسرة،
شواهد القبور لأحلام تلاشت، بينما ظلال الأطفال تلعب الغميضة بالخوف.
هذا الوحش ذو
ألف وجه، ينشر أجنحته السوداء فوق الرؤوس الخائفة، مخالبه تخدش القلوب، وتسحقها
إلى غبار النجوم، وكل انفجار هو أغنية جنائزية تتراقص في السماء المدمرة.
نفوس تائهة، بلا
راحة ولا استراحة ، تبحث عن السلام في متاهات مدينة تحتضر، تضيع أصواتها في الريح
مثل همسات الأشباح، وآمالها فراشات سجينة في قفص من نار.
ترتجف الأرض تحت
أقدام عملاق غير مرئي، عملاق من الفولاذ والغضب، تدق خطواته مثل طبول الحرب، يسحق
الأحلام تحت حذائه الحديدي، وكل قطرة دم هي نجمة تتلاشى في سماء اليأس.
النجوم شاحبة
متعبة تختبئ خلف ستائر الدخان، تمتزج ومضاتها مع برق الليل، ترسم كوكبات الرعب،
والمطر الكئيب يهطل كالدموع على الوجوه المستقيلة، يغسل السماء جراحها. ولكن لا
يمحو الندوب من الأرض.
في الركام شجرة
قديمة، من بقايا زمن مضى، تمد أغصانها العارية، مثل أذرع ممدودة نحو ألوهية منسية،
تغوص جذورها في أعماق الحزن، تبحث عن مصدر للحياة في رمال العصور الماضية القاحلة.
أحلام متكسرة
ومتناثرة كشظايا الزجاج، تمتزج برماد الماضي فتشكل فسيفساء من اليأس، وتتلاشى
الآمال كالسراب في حرارة الصحراء، تتلاشى ألوانها في ضباب الوحدة اللامتناهية.
البحر، هذه
المرآة المشوهة للنفوس المعذبة، ينقسم إلى أمواج من الدم والملح، تطلقها عواصف
الحرب، ويصرخ بشكواه إلى سماء لا مبالية، وتخفي أعماقه أسرار الضالين في الطريق.
الرياح المحملة
بالصرخات والصلوات، تهب على الأطلال، حاملة معها شظايا عصر مضى، تتأرجح بين
الحجارة كأفاعي الغبار، وتحمل نفخاتها أصداء الأصوات المنقرضة نحو "اللانهاية".
في صمت الفجر
الثقيل، وجوه مشوهة بالألم تنتظر إشارة، شعاع نور في عالم من الظلام، حيث تتبدد
الظلال ويمكن للسلام أن يشق طريقه أخيرًا.
وهكذا تستمر
دورة الدمار، كل لحظة هي أبدية من الألم والخسارة، ولكن من بين الركام، تبرز زهرة
الصمود، بتلاتها المشرقة تتحدى الليل، معلنة الوعد بغد متجدد.
الوقت، هذا
الثعبان المتصلب، يتلوى في متاهات الحزن، والحرب، هذا الشبح الذي لا يرحم، يتراجع
أمام قوة الأحلام، بينما النجوم، التي يطهرها وهج الأمل الجديد، تبدأ في إضاءة
الطريق نحو مستقبل حيث السلام تولد من جديد من رماد الظلام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق