في صحراء بلا أفق، حيث السماء ممزقة بأنين اللهب، صرخة صامتة، تولد من بطن الأرض، تصعد إلى الأزرق السماوي، هناك حيث تبكي النجوم رماداً فضياً، والشمس، هذه العين العظيمة المنطفئة، مختبئة في حزنها الأبدي.
أسوار غزة، متاهات الألم، تمتد كالعروق تحت جلد الليل، تتراقص ظلالها على إيقاع الانفجارات الصامتة، من الألعاب النارية الملعونة التي لا تحتفي إلا بالغياب.
الأطفال بعيون
البحر المغسولة، يحملون أحلاماً مهترئة كالمعايير، ضحكاتهم أصداء مكتومة، ضائعون
في أروقة الزمن حيث تذوب الساعات بالدموع.
الطيور
الحديدية، بأجنحتها السوداء ومناقيرها الرعدية، تقطع السماء إلى شظايا من الحزن،
تغني تهويدات الموت لبيوت من طين، تنهار مثل قصور رملية تحت المد المرتفع.
في جوف الشوارع،
حيث الظل أكثر كثافة من الضوء، يبحث الإنسان عن زهرة في حديقة من الحجارة، لكن كل شظية
زجاج، وكل عطر أثر منفى.
مياه البحر أصبحت
كفنًا جليديًا لأحلام السفن الغارقة، والأمواج المملوءة بالدموع المالحة، تحمل
ذكريات الماضي على الشواطئ المنسية.
في السماء غيمة
على شكل حمامة، تتلاشى تحت أنفاس الحرب الحارة، والحجارة تبكي أنهاراً من الدم،
والأشجار تبسط أغصانها كالأيدي في الصلاة.
الشوارع خالية ،
وأشباح ضحكات الماضي تطفو كالضباب على الأسطح، تبحث بيأس عن النفوس الضائعة، التي
تجولت ذات يوم في متاهات الحياة هذه.
الكلمات تتكسر
كأمواج على صخور اللامبالاة، والصمت أثقل من ألف قنبلة، ينتشر كالكفن على قلوب
الرجال، ويخنق الآمال في نفخة غبار.
لكن في وسط هذه
الفوضى تظهر وردة حمراء، تولد من شرخ في الخرسانة، رائحتها صرخة مقاومة، وأشواكها
أسلحة ضد النسيان.
إنها تقف،
فخورة، بين الأنقاض، بتلاتها تتفتح مثل الأذرع نحو السماء، تستجدي فجرًا جديدًا،
حيث ستنطفئ النيران، وحيث سيجد السلام، هذا الغريب، طريقه أخيرًا.
في الليل طفل
بعينين من نور، ينسج الأحلام بخيوط النجوم، يعلقها على القمر كفوانيس الأمل، وفي
عينيه تشرق شرارة عالم لم يولد بعد.
حيث تتلاشى
الحرب، حيث تنغلق الجراح، تنبض القلوب على إيقاع الأمل المتجدد، وفي هذه الحديقة
المولودة من جديد، حيث تتفتح الورود بين الحطام، تبدأ قصة جديدة، مكتوبة بدموع
الماضي.
تهب الرياح
وتطارد الرماد إلى النسيان، والطيور الحديدية، التي سئمت أغاني الموت، تتحول إلى
حمام سلام، تحمل تحت جناحيها أغصان الزيتون.
البحر، المتحرر
من قيود الألم، يغني التهويدات مرة أخرى للشواطئ التي يتم إعادة بنائها، والأطفال،
هذه النفوس الشافية، يلعبون بين الأمواج، وتتردد ضحكاتهم مثل صدى الجنة المستعادة.
وهكذا، تحت
النجوم التي تراقب بصمت، تستأنف دورة الحياة مجراها، وفي رماد الحرب، تستيقظ غزة
جديدة، تعكس نور مستقبل ينتصر فيه الحب على الكراهية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق