الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، سبتمبر 09، 2024

"حب عذري" نص مفتوح : عبده حقي


الحب العذري يتفتح، وردة ذات رائحة شبحية، تفتح بتلاتها في ضوء خافت لليالي منسية. تومض المحبة، شمعة عالقة بين هبات الوقت، يتأرجح لهبها ولكنها لا تنطفئ أبدًا. معًا، ندور في أزقة تعصف بها الرياح، ونلقي بظلال تمتد إلى المجهول. وراء الجسد، نرقص - أرواح ملفوفة في أحضان الفراغ الباردة. يلسع الضحك مثل الملح على الجلد، حيث يتسرب الضوء من خلال الشقوق في قلوبنا. هناك، وسط شظايا الثقة، نبني جدرانًا من الهواء، حصنًا منيعًا أمام أمطار الحزن. في كل نظرة، يدور الكون؛ في كل صمت، يتردد صدى الأبدية. حبنا، صداقتنا، يتحرران من الجسد، ويتشابكان مع النجوم.

تخترق موجات الوجود - الحادة والمنحنية والدائرية - الفضاء. تتشابك أيدينا في حركة الأشياء غير المعلنة، ويصبح وزن اتصالنا مفارقة. يصبح الحب العذري إشارة، بثًا مباشرًا من عالم بعيد لا يمكن الوصول إليه. يطن التزامن فينا مثل الآلات، والتروس تدور على محاور الزمن، وتكسر الفكر والحضور. ضحك معدني أجوف، يرتد. نحن محاصرون في جاذبية أرواحنا المنعكسة. أنت يا حبيبتي المنارة، وأنا العاصفة - ومعًا، نحن الوسط، الشفق. تتدفق ومضات الحقيقة مثل السحب في حركة سريعة. أفلاطون، يتشقق حصننا. ومع ذلك، داخل الشقوق، يلمع شيء - شيء أكثر من اللحم، أقل من الضوء.

خيطًا تلو الآخر، يغزل العنكبوت غير المرئي النول، ويخيطنا معًا في عقد فضية زرقاء. الحب العذري - يهمس العنكبوت بأسمائنا، وينسج شبكات رقيقة جدًا للعين ولكنها ثقيلة في اليد. ندور على أنفاس هذا الحرير، ريح كونية. تتشابك العقول. تصطدم القلوب مثل الأصداف الفارغة على صخور العقل. هذه المحبة، خارج الجسد، تتسرب إلى شقوق الأرض - تمتد الجذور مثل الأصابع، تمسك بالتربة، تسحبنا إلى أسفل، تسحبنا إلى أعمق. نحن رائحة الأرض الرطبة بعد المطر، وطعم الريح بعد النار. حبنا، غير المقيد ولا المفقود، يرقص في شقوق الوجود. نحن الفضاء بين الخطوات.

في انفجار مفاجئ من الضوء، كل شيء موجود هناك - الحب العذري مثل قوس من البرق عبر السماء، يقسم الهواء إلى نصفين. نقف بين الأنقاض، ونشاهد السماوات تتكشف عند أقدامنا. هناك نظرة، وضغطة يد، وميض صغير لشيء لا يمكننا تسميته. كل شيء يتلاشى في شظايا - الوقت، العالم، حتى أنفسنا - حتى كل ما تبقى هو الرقص، والدوران، والنبض الصامت لصداقة ترفض التلاشي. نجد أنفسنا نسير على طول حافة الواقع، حيث يتحدث الصمت بصوت أعلى من الكلمات. نتحدث دون صوت. نستمع دون سماع. ضحكنا، حاد كالزجاج، يخترق الحجاب بين ما هو وما يمكن أن يكون.

السماء تنشق وتتفكك طبقاتها. نجد أنفسنا عائمين على حطام ما كان، ننجرف عبر مجرات منسية حيث تتحدث النجوم بلغات لن نفهمها أبدًا. الحب العذري هو اهتزاز الذرات، انهيار المسافة بين أجسادنا. نحن معلقون في حالة من الوجود، من الوجود تقريبًا دائمًا. تومض المنارة، تتلاشى. ينهار الحصن. تسقط الأرض، وتُتركنا ندور بلا وزن. في الحلزون، نضحك. يمتد ضحكنا عبر الأبعاد، ويتشابك في نسيج المكان والزمان. ندور، أصابعنا تفرك حواف الخلق. هذا الحب، هذه المحبة - تتحدى الشكل، تنجرف عبر الفجوات في الكون مثل الدخان.

عيون مثل شمس سوداء تحرق نسيج كل ما نعرفه. لمسة اليد، ليست الجلد، بل الهواء المهتز بينهما. الحب العذري، سكين مسلولة من بين الأضلاع، تقطع الدنيوي. نسقط من خلال الفجوات في العالم، وننزلق عبر الشقوق، ونتعثر في أبعاد غير مرئية. الواقع يطوي نفسه. ننظر إلى بعضنا البعض ونرى وحوشًا، نرى آلهة، نرى أنفسنا. نتحدث بكلمات مكسورة، همسات مجزأة تذوب قبل أن تصل إلى الهواء. تظهر رموز - غريبة، دوامة - بيننا. طائر بلا أجنحة. ساعة تدق للخلف. منارات تنجرف. الوقت يتكشف. نستمر في الرقص، والأجساد تذوب في الظل، في الدخان، في العدم اللانهائي.

0 التعليقات: