الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أكتوبر 22، 2024

أخلاقيات الأخبار التي تنتجها الذكاء الاصطناعي: عبده حقي


إن دمج الذكاء الاصطناعي في الصحافة قد أحدث ثورة في طريقة إنتاج الأخبار واستهلاكها ونشرها. تشير الأخبار التي يولدها الذكاء الاصطناعي إلى استخدام الخوارزميات ونماذج التعلم الآلي لأتمتة إنتاج المقالات الإخبارية، من تلخيص التقارير إلى كتابة أخبار كاملة. وفي حين توفر هذه التكنولوجيا إمكانات هائلة، فإنها تثير أيضًا مجموعة من المخاوف الأخلاقية. ومع تزايد ارتباط الذكاء الاصطناعي بالصحافة، من الأهمية بمكان دراسة آثاره على الثقة والدقة والمساءلة والتأثير المجتمعي.

1. الدقة والمعلومات المضللة

إن أحد أكثر المخاوف الأخلاقية إلحاحًا بشأن الأخبار التي تنتجها الذكاء الاصطناعي هو دقة المحتوى المنتج. يجب أن تكون الأخبار صحيحة من الناحية الواقعية وتعكس الحقيقة، والأخطاء في التقارير يمكن أن تؤدي إلى معلومات مضللة على نطاق واسع. يتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي مثل تلك المستخدمة في الصحافة الآلية على البيانات الموجودة، ويمكن إدامة أي تحيزات أو عدم دقة موجودة في تلك البيانات أو حتى تفاقمها بواسطة الخوارزمية.

إن أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على إنتاج مقالات إخبارية بسرعة وحجم مذهلين، ولكنها قد لا تتمتع بالقدر الكافي من الفهم الدقيق المطلوب لتفسير القضايا المعقدة أو التحقق من الحقائق. وهذا يؤدي إلى مخاوف بشأن "القمامة الداخلة والقمامة الخارجة"، حيث تؤدي البيانات المعيبة أو المتحيزة إلى أخبار خاطئة أو مضللة. إن الإشراف البشري ضروري لضمان دقة المعلومات وسلامتها الأخلاقية، ولكن إلى أي مدى يمكننا الاعتماد على المحررين البشريين لاكتشاف كل خطأ وتصحيحه؟

2. التحيز والإنصاف

وهناك قضية أخلاقية أخرى تتلخص في احتمالات التحيز في الأخبار التي تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي. فالخوارزميات لا تكون موضوعية إلا بقدر البيانات التي يتم تدريبها عليها. وإذا كانت بيانات التدريب تحتوي على وجهات نظر متحيزة أو تعكس تحيزات منهجية، فقد تعيد أنظمة الذكاء الاصطناعي إنتاج هذه التحيزات عن غير قصد في تغطيتها الإخبارية. وقد يؤدي هذا إلى تقديم صور منحرفة لمجموعات أو قضايا معينة، مما يؤدي إلى إدامة التفاوتات وخلق رؤية مضللة للواقع.

على سبيل المثال، قد تعمل الأخبار التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي على التقليل بشكل منهجي من تمثيل أصوات الأقليات أو عرض القضايا بطريقة تفضل أيديولوجيات سياسية معينة. يتطلب ضمان العدالة في الصحافة التي يتم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي الاهتمام الدقيق بتنوع وجودة بيانات التدريب، فضلاً عن الجهود المستمرة للتخفيف من التحيز.

3. الشفافية والمساءلة

إن أحد المخاوف الأخلاقية الرئيسية المتعلقة بالأخبار التي تنتجها الذكاء الاصطناعي هو الشفافية. فقد لا يعرف القراء دائمًا ما إذا كانت المقالة التي يطالعونها كتبها صحفي بشري أو تم إنشاؤها بواسطة خوارزمية. وقد يؤدي هذا الافتقار إلى الشفافية إلى تقويض الثقة في وسائل الإعلام وإثارة تساؤلات حول المساءلة.

من المسؤول عندما يحتوي محتوى الأخبار الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي على أخطاء أو ينشر معلومات مضللة؟ هل هو مطور الذكاء الاصطناعي، أم المؤسسة الإخبارية، أم الفرد الذي نشر التكنولوجيا؟ تؤكد الأخلاقيات الصحفية التقليدية على أهمية المساءلة، ولكن في حالة المحتوى الذي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، قد يكون من الصعب تحديد من يجب أن يتحمل المسؤولية عن الأخطاء أو الانتهاكات الأخلاقية.

4. النزوح الوظيفي في الصحافة

كما يثير صعود الذكاء الاصطناعي في مجال الصحافة مخاوف بشأن إزاحة الوظائف. ومع لجوء المؤسسات الإخبارية بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي لأتمتة مهام إعداد التقارير الروتينية، هناك خطر يتمثل في أن يفقد الصحفيون البشريون وظائفهم. وفي حين يمكن للذكاء الاصطناعي التعامل مع التقارير الإخبارية المباشرة، مثل التحديثات المالية أو نتائج المباريات الرياضية، فإنه قد يتعدى على مهام إعداد التقارير الأكثر تعقيدًا مع تقدم التكنولوجيا.

وقد يؤدي هذا الاتجاه إلى انخفاض كبير في عدد الصحفيين البشريين، وهو ما قد يكون له آثار مجتمعية أوسع نطاقا. فالصحفيون يلعبون دورا حاسما في التحقيقات الاستقصائية، ومحاسبة السلطة، وكشف الفساد. وإذا أدت الأخبار التي تولدها الذكاء الاصطناعي إلى انخفاض عدد المراسلين البشريين، فقد يفقد المجتمع وظيفة المراقبة الحيوية التي تشكل ضرورة أساسية للحكم الديمقراطي.

5. الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في إعداد التقارير عن الأزمات

في أوقات الأزمات، مثل الكوارث الطبيعية أو حالات الطوارئ الصحية العامة، يمكن أن تكون الأخبار التي تنتجها الذكاء الاصطناعي مفيدة وتشكل تحديًا أخلاقيًا. من ناحية، يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج ونشر معلومات حاسمة بسرعة للجمهور. من ناحية أخرى، قد يؤدي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في مثل هذه المواقف الحساسة إلى قضايا أخلاقية إذا كانت المعلومات غير دقيقة أو قديمة أو تفتقر إلى السياق الضروري.

تتطلب تقارير الأزمات فهمًا عميقًا للتأثير البشري والحساسيات الثقافية والفروق الدقيقة العاطفية، والتي قد لا تمتلكها أنظمة الذكاء الاصطناعي. والاعتماد بشكل كبير على الأنظمة الآلية في هذه السياقات قد يؤدي إلى تغطية غير كافية أو ضارة، مما يثير المخاوف بشأن الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التقارير عالية المخاطر.

6. دور الصحفيين البشريين

وعلى الرغم من القدرات المتنامية للذكاء الاصطناعي، فإن الصحفيين البشر يلعبون دوراً لا غنى عنه في الحفاظ على النزاهة الأخلاقية لإنتاج الأخبار. وفي حين يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في توليد المحتوى، فإن المسؤولية النهائية عن ضمان دقة الأخبار وتوازنها ونزاهتها تقع على عاتق المحررين والمراسلين البشر. ولا تتطلب الصحافة الأخلاقية تقديم تقارير واقعية فحسب، بل تتطلب أيضاً الالتزام بمبادئ الحقيقة والمساءلة والإنصاف ــ وهي القيم التي لا تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي دعمها بشكل مستقل.

كما يلعب الصحفيون البشريون دوراً حيوياً في توفير السياق، وإجراء التحقيقات الاستقصائية، والتعامل مع التعقيدات الأخلاقية لبعض الأخبار. ولا تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي، مهما كانت متقدمة، أن تحاكي التفكير النقدي والحدس والتعاطف الذي يجلبه الصحفيون البشريون إلى المهنة.

خاتمة

إن استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة هو سلاح ذو حدين. فمن ناحية، يوفر إمكانية تحقيق قدر أعظم من الكفاءة وتوفير التكاليف والقدرة على توسيع نطاق إنتاج المحتوى. ومن ناحية أخرى، يثير مخاوف أخلاقية كبيرة، وخاصة فيما يتصل بالدقة والتحيز والشفافية والمساءلة ومستقبل الصحافة كمهنة.

ولضمان إنتاج الأخبار التي تولدها الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية، يتعين على المؤسسات الإخبارية تنفيذ آليات إشرافية قوية، وضمان الشفافية في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، والالتزام بالقيم الأساسية للصحافة. ​​ويمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة قوية في غرفة الأخبار، ولكن يجب استخدامه بمسؤولية وبالتزامن مع الإشراف البشري للحفاظ على الثقة والنزاهة والدقة في الأخبار.

ويعتمد المستقبل الأخلاقي للأخبار التي تولدها الذكاء الاصطناعي على إيجاد التوازن الصحيح بين الابتكار التكنولوجي والنزاهة الصحفية.

0 التعليقات: