لقد غيرت وسائل التواصل الاجتماعي من ديناميكيات الاتصال والثقافة الحديثة في جميع أنحاء العالم. ففي المغرب، تهيمن منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك وسناب شات على الحياة الرقمية لكل من البالغين والأطفال. وفي حين تساهم وسائل التواصل الاجتماعي في الربط بين الأفراد وتسهل تبادل الأفكار، فإنها تشكل أيضًا مخاطر كبيرة على المستخدمين الشباب. والأطفال المغاربة معرضون بشكل خاص للجوانب المظلمة لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل التحرش والتراجع التعليمي والتعرض للعنف وأنماط النوم المضطربة.
لقد أدت وسائل التواصل
الاجتماعي إلى تضخيم انتشار التحرش بين الأطفال. وأصبح التنمر الإلكتروني، وهو شكل
من أشكال التحرش والمضايقات الذي يتم من خلال المنصات الرقمية، قضية مهمة في المغرب.
وعلى عكس التنمر التقليدي، فإن التنمر الإلكتروني لا هوادة فيه وهو منتشر على نطاق
واسع، حيث يتسلل إلى المساحات الشخصية للضحايا عبر الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر.
يواجه الأطفال المغاربة
الذين يتعرضون للتنمر الإلكتروني عواقب وخيمة، بما في ذلك القلق والاكتئاب وتدني الشعور
بقيمتهم الذاتية. ووفقًا لدراسات حديثة أجريت في المدارس المغربية، أفاد أن عددا متزايدا
من الطلاب بأنهم ضحايا للتحرش على منصات التواصل الاجتماعي حيث يختبئ الجناة وراء إخفاء
الهوية، مما يشجعهم على استهداف أقرانهم برسائل كراهية أو صور مزيفة أو إذلال علني.
إن عدم القدرة على الهروب من مثل هذا التحرش يؤدي إلى تفاقم آثاره، حيث يتردد الأطفال
غالبًا في الإبلاغ عن الحوادث بسبب الخوف من الحكم أو الانتقام.
غالبًا ما يكافح الآباء
والمعلمون لمعالجة هذه القضية، حيث أن الطبيعة الإلكترونية للتنمر الإلكتروني تجعل
من الصعب اكتشافه مقارنة بأشكال التحرش التقليدية. وهذا يؤكد على الحاجة إلى تعليم
أفضل لمحو الأمية الرقمية وفرض قوانين أكثر صرامة لمراقبة المحتوى المسيء على منصات
التواصل الاجتماعي.
إن الطبيعة الإدمانية
لوسائل التواصل الاجتماعي تشتت انتباه الأطفال المغاربة عن مسؤولياتهم التعليمية. فقد
صُممت المنصات لإبقاء المستخدمين منشغلين لفترات طويلة، وغالبًا على حساب الواجبات
المدرسية فقد قضي الأطفال المغاربة ساعات في تصفح مقاطع الفيديو والمنشورات والرسائل،
مما يترك لهم وقتًا قليلاً للواجبات المنزلية أو الدراسة أو التعليم الحر.
إن تأثير الإفراط في
استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأداء التعليمي واضح للغاية. ويفيد المعلمون
في المغرب بأن الطلاب أصبحوا أقل انتباهاً، وغير قادرين على التركيز، وأقل انخراطاً
في الأنشطة الفصلية. وعلاوة على ذلك، فإن ثقافة الإشباع الفوري التي تروج لها وسائل
التواصل الاجتماعي تتعارض مع الانضباط والصبر المطلوبين للنجاح الأكاديمي. فالأطفال
الذين اعتادوا تلقي ردود فعل فورية على المنشورات أو الإعجابات يكافحون للحفاظ على
الجهد الطويل الأجل اللازم للتفوق في المدرسة.
وتتمثل مشكلة أخرى
في انتشار المعلومات المضللة على منصات التواصل الاجتماعي. فالأطفال المغاربة، الذين
يفتقرون في كثير من الأحيان إلى مهارات التفكير النقدي اللازمة للتمييز بين المصادر
الموثوقة والمعلومات الكاذبة، يتعرضون لمحتوى تعليمي مضلل. وهذا يعيق قدرتهم على التعلم
بشكل فعال وتحقيق النجاح الأكاديمي.
إن منصات التواصل الاجتماعي
تعرض الأطفال المغاربة لمحتوى مزعج، بما في ذلك العنف الصارخ والسلوك العدواني. ويشكل
هذا التعرض ضررًا خاصًا خلال السنوات التكوينية، لأنه يشكل تصورات الأطفال للسلوك المقبول
والمعايير المجتمعية.
غالبًا ما يتخذ المحتوى
العنيف شكل مقاطع فيديو أو صور ساخرة أو بث مباشر يمجد المشاجرات أو التنمر أو الأنشطة
الإجرامية بحيث قد يصبح الأطفال المغاربة الذين يستهلكون مثل هذه المواد غير مبالين
بالعنف، ويعتبرونه جزءًا طبيعيًا من الحياة. والأسوأ من ذلك، أن البعض قد يقلدون ما
يرونه على الإنترنت، مما يؤدي إلى إدامة دورات العدوان داخل مجتمعاتهم.
بالإضافة إلى ذلك،
تستغل الجماعات المتطرفة وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الإيديولوجيات وتجنيد الأفراد
الضعفاء. وقد اتخذت السلطات المغربية خطوات هامة للغاية لمراقبة مثل هذه الأنشطة ومكافحتها،
لكن الأطفال لا يزالون معرضين لخطر مواجهة المحتويات الضارة. ويمكن أن تتجلى الآثار
النفسية للتعرض للعنف في صورة عدوان أو خوف أو انفصال عاطفي، مما يزيد من تعقيد نموهم
الاجتماعي والعاطفي.
كما أن الاعتماد المتزايد
على وسائل التواصل الاجتماعي يعطل طبيعة النوم لدى الأطفال المغاربة. فالنوم ضروري
للنمو الصحي، ولكن الإفراط في استخدام الشاشات، وخاصة قبل النوم، يتعارض مع دورة النوم
الطبيعية للجسم. فالضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يثبط إنتاج الميلاتونين، مما يجعل
من الصعب على الأطفال الخلود لراحة النوم.
في المغرب، يحتفظ العديد
من الأطفال بهواتفهم في غرف نومهم، ويستخدمونها حتى وقت متأخر من الليل لتصفح وسائل
التواصل الاجتماعي أو الدردشة مع الأصدقاء. ويؤدي الضغط للبقاء على اتصال والرد على
الإشعارات إلى تفاقم هذه المشكلة، مما يخلق ثقافة "الخوف من تفويت شيء ما".
ويؤدي هذا إلى انخفاض مدة النوم وتدهور جودته ، مما يؤدي إلى التعب أثناء النهار والتهيج
وانخفاض الأداء الأكاديمي.
كما يؤثر الحرمان المزمن
من النوم على الصحة البدنية والعقلية للأطفال، فهو يضعف جهاز المناعة، ويضعف الذاكرة،
ويزيد من خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب. وبالنسبة للأطفال المغاربة، الذين يواجهون
بالفعل العديد من الضغوط المجتمعية، فإن اضطراب النوم يعيق قدرتهم على النمو.
إن التهديدات التي
تشكلها وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال المغاربة تتطلب اتخاذ إجراءات فورية من
جانب الآباء والمعلمين وصناع السياسات التربوية وشركات التكنولوجيا. ومن الضروري اتباع
منهج متعدد الأوجه للتخفيف من الآثار السلبية لهذه المعضلة.
في حين توفر وسائل
التواصل الاجتماعي فرصًا عديدة للتواصل والتعلم، فإن جانبها المظلم يفرض مخاطر كبيرة
على الأطفال المغاربة. فالتحرش، والفشل الدراسي، والتعرض للعنف، واضطرابات النوم هي
مخاوف متزايدة تهدد سلامتهم العقلية والجسدية. ويتطلب التصدي لهذه التحديات جهودًا
جماعية من جميع المسؤولين، بما في ذلك الأسر والمعلمين وصناع السياسات ومقدمي التكنولوجيا.
ومن خلال تعزيز بيئة أكثر أمانًا ومسؤولية على الإنترنت، يمكن للمغرب حماية أطفاله
وضمان استفادتهم من وسائل التواصل الاجتماعي دون الوقوع ضحية لمخاطرها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق