الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، نوفمبر 09، 2024

التحول الرقمي في نقل الأخبار: ما الذي تكسبه وتخسره الصحافة التقليدية؟ عبده حقي

 


شهدت وسائل الإعلام تطوراً كبيراً في آليات توزيع الأخبار وانتشارها، حيث أدى التقدم التكنولوجي، وظهور الإنترنت، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغييرات جذرية في كيفية تفاعل الناس مع الأخبار واستقبالهم لها. هذا التحول من الوسائل التقليدية مثل الصحف والتلفاز إلى المنصات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام لم يكن مجرد تغير في الوسائل، بل أحدث ثورة في صناعة الأخبار وتناول المعلومات. سنقوم في هذا المقال بتحليل تطور قنوات توزيع الأخبار، ونبحث عن العوامل التي أدت إلى هذا التحول، وندرس تأثير ذلك على جودة الأخبار، دور الصحفيين، وطرق تفاعل الجمهور.

لفترة طويلة، كانت الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفاز هي المصادر الأساسية لنقل الأخبار. كانت الصحف اليومية تتمتع بدور مهم في نقل الأحداث وتحليلها، وكان المراسلون الصحفيون هم المصدر الأساسي للمعلومات. التلفاز أيضاً كان وسيلة فعالة، حيث نقل الأحداث بالصورة والصوت، وسمح للأشخاص بمتابعة الأخبار وقت حدوثها. ورغم أن هذه الوسائل كانت فعالة في تحقيق الانتشار، إلا أن توزيع الأخبار كان يعتمد على الجدول الزمني اليومي للمؤسسات الإعلامية، ويفتقر إلى السرعة المطلوبة لمواكبة التطورات الآنية.

قيود الإعلام التقليدي: كانت قنوات الإعلام التقليدي تعمل وفق ضوابط ومعايير تحريرية صارمة، مما حد من انتشار الأخبار الكاذبة أو المغلوطة. إلا أن هذه القيود، مع قلة عدد القنوات، أدت إلى بُعد الجمهور عن إمكانية المشاركة الفعالة أو التعبير عن الرأي بشكل فوري. كما كان إنتاج وتوزيع المحتوى مكلفاً ويحتاج إلى استثمارات ضخمة، مما أدى إلى تحكم عدد محدود من المؤسسات الكبيرة في صناعة الأخبار.

مع ظهور الإنترنت في التسعينات، بدأت الصحف الورقية تفقد شعبيتها تدريجياً لصالح المواقع الإلكترونية التي وفرت الأخبار لحظة بلحظة وسهلت الوصول إلى المعلومات. تميزت هذه المرحلة بزيادة تدفق المعلومات وتوافر مصادر متعددة للأخبار، مما أدى إلى بدء تحوّل الجمهور نحو الإنترنت كمصدر رئيسي للأخبار. ظهرت المواقع الإخبارية الإلكترونية والمدونات التي قدمت محتوى متنوعاً وسهلاً للوصول، كما بدأت المؤسسات الإعلامية التقليدية بإنشاء مواقع إلكترونية لمواكبة هذا التحول.

الانتقال إلى الرقمية وتأثيره على المؤسسات الإعلامية: واجهت المؤسسات الإعلامية تحديات كبيرة مع الانتقال إلى الإنترنت، حيث لم تعد الإعلانات، التي كانت المصدر الرئيسي للإيرادات، تحقق نفس الأرباح كما في السابق. تراجع مبيعات الصحف الورقية واضطرت العديد من المؤسسات إلى تقليل عدد موظفيها أو البحث عن مصادر دخل جديدة. كما أن كثرة المصادر الإخبارية على الإنترنت جعلت المنافسة أشد وأصبح من الصعب السيطرة على دقة المحتوى وجودته.

يعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام بمثابة نقطة تحول جوهرية في تاريخ توزيع الأخبار. لم تعد الأخبار تأتي فقط من الصحفيين والمحررين، بل أصبح بإمكان أي فرد أن ينقل الأخبار ويشاركها مع الآخرين. أصبح الناس يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار بفضل سهولة الاستخدام، والقدرة على الوصول إلى المعلومات بشكل فوري، وإمكانية متابعة مصادر متنوعة في وقت واحد.

دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الأخبار: ساهمت هذه المنصات في تحويل الأشخاص العاديين إلى مشاركين نشطين في نقل الأحداث، حيث يمكن لأي شخص أن ينشر محتوى ويصل إلى ملايين المتابعين. أصبحت الأخبار تنتشر بسرعة البرق عبر المشاركات والإعجابات والتعليقات، ولم تعد تخضع للتدقيق التحريري كالسابق. ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً في إبراز قضايا مجتمعية لم تكن تحظى باهتمام الإعلام التقليدي، مما منحها دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام.

التحديات المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي: ورغم المزايا، تواجه منصات التواصل الاجتماعي انتقادات لعدم وجود آليات فعالة للتحقق من صحة الأخبار، مما أدى إلى انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات. كما أن خوارزميات هذه المنصات تُظهر المحتوى بناءً على تفضيلات المستخدم، مما أدى إلى ظاهرة "فقاعات المعلومات"، حيث يتعرض الأفراد فقط للمعلومات التي تتوافق مع آرائهم وتوجهاتهم، مما يحد من النقاش الموضوعي ويؤدي إلى تزايد الاستقطاب المجتمعي.

أدى التحول من الإعلام التقليدي إلى الرقمي إلى تغيير دور الصحفيين بشكل كبير. أصبح الصحفيون مطالبين بالسرعة في نشر الأخبار، ولم يعد لديهم الوقت الكافي للتدقيق والتحليل كما كان الحال في السابق. كما أن منافسة "المواطن الصحفي" جعلت المؤسسات الإعلامية التقليدية تواجه تحدياً في الحفاظ على مصداقيتها وجذب الجمهور.

أصبح من الضروري على الصحفيين اليوم مواكبة مهارات التكنولوجيا، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل مع الجمهور، وخلق علاقات تفاعلية بدلاً من كونهم مجرد ناقلين للأخبار. كما بدأت المؤسسات الإعلامية بإعادة توجيه مواردها لتوظيف الأدوات الرقمية والبيانات لجعل المحتوى أكثر جذباً وتفاعلاً.

في ظل التطور المستمر للتكنولوجيا، من المتوقع أن تواصل وسائل الإعلام تطورها، حيث ستستمر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي في لعب دور محوري في توزيع الأخبار. يُتوقع أيضاً أن تلعب تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز دوراً كبيراً في جعل الأخبار أكثر تفاعلية وشخصية. على سبيل المثال، قد تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في تخصيص الأخبار بناءً على اهتمامات الفرد، بينما يمكن للواقع المعزز أن يمنح الجمهور تجربة تفاعلية تُشعرهم وكأنهم في قلب الحدث.

الحاجة إلى إطار قانوني وتنظيمي: بالتوازي مع هذه التطورات، ينبغي على الحكومات والمؤسسات المعنية وضع قوانين ولوائح تنظم صناعة الأخبار الرقمية، وفرض معايير للتحقق من صحة الأخبار، وحماية الخصوصية، ومكافحة التلاعب بالمعلومات. يُعد وضع ميثاق أخلاقي لوسائل الإعلام الرقمية خطوة مهمة لتجنب الآثار السلبية للانتشار السريع للأخبار.

خاتمة

شهدت قنوات توزيع الأخبار تحولاً عميقاً من الإعلام التقليدي إلى منصات التواصل الاجتماعي، وهو تحول أسهم في تغيير ديناميكيات صناعة الأخبار وممارسة الصحافة. ورغم التحديات التي أوجدها هذا التحول، تبقى الفرص المتاحة هائلة لابتكار طرق جديدة للتفاعل مع الجمهور ونشر الأخبار بشكل أسرع وأكثر تفاعلاً. إلا أن نجاح هذه المرحلة يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الإعلام والمشرعين والتكنولوجيا لضمان جودة المحتوى وشفافيته.

0 التعليقات: