الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، ديسمبر 08، 2024

بشار الأسد والهروب غير المتوقع: عبده حقي


لم يكن صعود بشار الأسد إلى السلطة في سوريا محتوماً. فقد كان بشار، الذي ولد في عام 1965 باعتباره الابن الثاني لحافظ الأسد، الذي حكم سوريا بقبضة من حديد منذ عام 1970، يطمح في البداية إلى حياة أكثر هدوء كطبيب عيون. ولكن مساره تغير بشكل كبير في عام 1994 بعد وفاة شقيقه الأكبر باسل، الوريث المفترض للرئاسة. فقد تم استدعاء بشار على الفور من دراسته في لندن لإعداده ليكون خليفة لوالده، الأمر الذي وضعه على مسار من شأنه أن يربط مصيره بمصير أمة في حالة من الاضطراب.

عندما تولى بشار الرئاسة في عام 2000 بعد وفاة والده، كان المزاج الأولي في سوريا هو التفاؤل الحذر. وتزامن صعوده مع الآمال في الإصلاح والتحديث، وهو ما تجسد في "ربيع دمشق" القصير. وشجع المثقفين والإصلاحيين على التعبير عن رؤاهم لسوريا أكثر حرية، وكان هناك حديث عن تخفيف قبضة الاستبداد المحكمة التي حددت حكم والده. ولكن هذه الآمال لم تدم طويلاً. فسرعان ما تم قمع الانفتاح السياسي الهش، وعادت أنظمة بشار إلى أنماط القمع والاستبداد المألوفة.

لقد أظهرت السنوات الأولى من حكم بشار جهوداً متعمدة لتعزيز السلطة داخل شبكة موثوقة من أفراد الأسرة والموالين. وكان من بين هؤلاء ابن عمه رامي مخلوف، الحليف الاقتصادي الرئيسي الذي جسدت سيطرته الاحتكارية على القطاعات الحيوية اندماج النظام بين القوة السياسية والمالية. وقد ضمنت هذه الاستراتيجية بقاء أركان نظام الأسد متشابكة بشكل وثيق مع الدولة، مما أدى إلى خنق أي معارضة أو تهديدات لحكمه.

كما أن موقف بشار في السياسة الخارجية خلال هذه الفترة كان بمثابة الأساس لمواجهاته المستقبلية على الساحة الدولية. فقد أدت معارضته العلنية للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 إلى توتر العلاقات مع الغرب وترسيخ صورته كمعارض قوي للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. وقد لاقى هذا التحدي استحسان البعض في المنطقة، ولكنه أدى إلى زيادة عزلة سوريا دبلوماسياً.

لقد بدأ الفصل الأكثر تحديدًا في حكم بشار الأسد في عام 2011 عندما وصلت موجة الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية المعروفة باسم الربيع العربي إلى سوريا حيث قوبلت الاحتجاجات الأولية المطالبة بمزيد من الحريات بالقمع الوحشي، وتصاعدت إلى حرب أهلية معقدة ومتعددة الأوجه. وعلى مدار الصراع، واجه الأسد اتهامات بارتكاب جرائم حرب شنيعة، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، الأمر الذي أثار إدانة دولية واسعة النطاق.

لقد أدت الحرب الأهلية السورية إلى تقسيم البلاد إلى مزيج من الأراضي المتنازع عليها. وفي أدنى مستوياتها، بدت قبضة الأسد على السلطة ضعيفة، حيث حققت قوات المعارضة مكاسب كبيرة وانحصرت سيطرته على أجزاء من البلاد. ومع ذلك، أدى تدخل الحلفاء الأقوياء إلى تغيير التوازن. وكان التدخل العسكري المباشر لروسيا في عام 2015، من خلال الضربات الجوية والدعم البري، بمثابة نقطة تحول. وإلى جانب الدعم الحاسم من إيران وحزب الله، سمح هذا التدخل للأسد باستعادة مساحات كبيرة من الأراضي وتثبيت نظامه.

وعلى الرغم من الفظائع المرتبطة بنظامه، فقد أظهر الأسد قدرة ملحوظة على المناورة عبر العزلة الدبلوماسية. وبحلول عام 2023، تمكن من إعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية، مما يشير إلى عملية بطيئة ولكن متعمدة لإعادة التأهيل على الساحة الإقليمية. وكانت هذه العودة بمثابة انعكاس للتحولات الجيوسياسية بقدر ما كانت شهادة على قدرة نظام الأسد على الصمود.

إن التحالف مع طهران وحزب الله يظل محورياً لبقائه. فقد دعمت إيران حكومته عسكرياً ومالياً خلال فترات ضعفها، في حين لعبت قوات حزب الله البرية دوراً فعالاً في معارك رئيسية. ومع ذلك، فإن هذه التحالفات تربط أيضاً حظوظ الأسد بالصراعات الإقليمية الأوسع التي تبتلع حلفائه.

وعلى الرغم من تعافيه النسبي على الساحة الدولية، واجه الأسد مجموعة من التحديات التي تهدد الاستقرار الطويل الأجل لحكمه. فالاقتصاد السوري في حالة يرثى لها، بعد سنوات من الحرب والفساد والعقوبات المنهكة. فضلاً عن ذلك فإن عودة ظهور جماعات المعارضة المسلحة في مناطق مثل حلب وحماة يشكل تهديداً عسكرياً متجدداً. وقد حققت هذه الفصائل، التي شجعتها ديناميكيات الصراع المتغيرة، تقدماً ملحوظاً، الأمر الذي يثير تساؤلات حول قدرة النظام على الحفاظ على السيطرة.

كما يطرح المشهد الجيوسياسي الإقليمي شكوكاً جديدة. فقد أدت الحرب في غزة منذ عام 2023 إلى إضعاف حلفاء رئيسيين مثل حزب الله، الأمر الذي زاد من توتر موقف الأسد. وتتردد أصداء الآثار الأوسع نطاقاً لهذا الصراع داخل سوريا، حيث لا يزال السخط العام والأزمات الإنسانية مستمرين دون هوادة.

مع اقتراب بشار الأسد من ربع قرن من الزمان في السلطة، يظل نظامه رمزاً للصمود في خضم الفوضى. ولكن هذا البقاء الطويل يخفي نقاط ضعف عميقة. فالبلد الذي يحكمه أصبح ظلاً لما كان عليه في السابق، حيث ابتلي بالانقسامات وثقلت عليه ندوب الحرب. وفي حين تشير العودة إلى جامعة الدول العربية إلى قدر من التطبيع الدبلوماسي، فإنها لا تفعل الكثير لمعالجة الشقوق الداخلية التي تهدد بتقويض سلطته.

ومن المرجح أن يكون إرث بشار الأسد هو البقاء على قيد الحياة بتكلفة بشرية ووطنية هائلة. لقد أبقته قدرته على التعامل مع التحالفات المتغيرة والتغلب على الانتفاضات الداخلية في السلطة، ولكنها تركت سوريا أيضًا مجزأة ومفقرة. ومع ظهور تحديات جديدة على الجبهتين المحلية والدولية، يظل السؤال الحاسم: هل يستطيع الأسد الحفاظ على قبضته على بلد به ندوب عميقة، أم أن ثقل اليأس الاقتصادي والمقاومة العسكرية والتحولات الجيوسياسية سيؤدي أخيرًا إلى نهاية حكمه؟

في السرد الأوسع للسياسة في الشرق الأوسط، تشكل قصة الأسد حكاية تحذيرية ودراسة في المرونة والصمود في الوقت نفسه ــ حاكم دفعته الظروف إلى السلطة، والذي يقف الآن عند مفترق طرق التاريخ، ومصيره متشابك مع أمة تكافح لإعادة تعريف هويتها وسط صراع دائم.

0 التعليقات: