الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، فبراير 28، 2025

"شظايا شعرية النار" إصدار جديد للمترجم المغربي سعيد بوخليط

 


ضمن حلقات ترجمة كلاسيكيات غاستون باشلار، التي بادر إليها الباحث سعيد بوخليط، أصدرت دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع عملًا جديدًا من تراث باشلار الشعري-النقدي، تحت عنوان: "شظايا شعرية النار"، بعد كتاب "الهواء وأحلام الرؤى، دراسة في خيال الحركة"، الصادر سنة 2023.

انطوى العمل الجديد على ثلاثة فصول أساسية، تناولت حضور عنصر النار بين طيات أساطير طائر العنقاء، بروميثيوس، أمبادوقليس، عبر جملة إحالات شعرية، ومقدِّمتين شارحتين باستفاضة لسياقه الفكري، إحداهما كتبها غاستون باشلار، والأخرى بقلم ابنته سوزان. تخبرنا إحدى فقراتها عن حيثيات مراحل هذا المشروع:

"زمن قصير قبل وفاة أبي (16 أكتوبر/تشرين الاول 1962)، استحوذ عليه هاجس عدم إنهاء عمله إبان سنواته الأخيرة. هكذا أمدَّني ببعض النصائح؛ أولها بمثابة نصيحة إلزامية عامة، مفادها عدم المبادرة بتاتًا إلى إصدار عمل معين اتسم فقط بطابعه الشفوي (ملاحظات على ضوء دروس، لقاءات إذاعية أثيرية…). أما عن دراسته حول النار، التي تقاطعت بين طياتها مشاريع كثيرة، وإعدادها لا يزال بعيدًا عن الصياغة النهائية، فقد خاطبني بالوصية التالية: "بعد كل شيء، يستحسن مراجعتها ثم دمجها بين دفتي أعمال متكاملة".

مشروع تبلور عمليًا نهاية سنة 1961، بمبادرة من بول أنغولفينت، مدير المطابع الجامعية الفرنسية. استُلْهِم في هذا الإطار نموذج إصدار "منشورات المئوية" لأعمال برجسون، وتقرَّرَ إخراج سيناريو هذا العمل من خلال ثلاثة أجزاء، تتضمَّن مقاربات نقدية وكذا مقدمات. ورشٌ يتطلب وقتًا طويلًا، مثلما يقتضي تعاونًا بين مختلف ناشري مؤلفات باشلار. تمثلت أولى مراحل هذا البرنامج الطويل في ملخص للمقالات والمقدمات.

كما هو معلوم، انصبَّ اهتمام غاستون باشلار، ضمن رافد مشروعه الثاني المتعلِّق بالخيال الشعري، على العناصر الكونية الأربعة: النار، الماء، الهواء، الأرض. غير أن عنصر النار حظي لديه بحظ وافر من البحث والاستقصاء، عبر ثلاث مناسبات دالَّة، ضمن تطور أفق فكر شاعر الرياضيات وفيلسوف القصيدة الحالم.

شكَّل كتاب "التحليل النفسي للنار" (1938) منعرجًا نوعيًا قياسًا إلى التراث الباشلاري السابق، وإن اعتُبرت هذه الدراسة امتدادًا لنفس منحى العقلانية العلمية. فقد استلهم باشلار التحليل النفسي اليونغي أساسًا، قصد تخليص الوعي الإنساني من العوائق اللاواعية التي تعيق موضوعيًا بلوغ نتائج يقينية بخصوص معرفة النار. فكان تناوله لعُقد بروميثيوس، أمبادوقليس، نوفاليس، هوفمان... عنصر النار، الذي لعب دورًا جوهريًا على مستوى تشكُّل كيمياء الفكر الإنساني. سيادة مادية ورمزية، على امتداد مختلف الحقب والأزمنة، تستدعي حتمًا إخضاع كُنه النار إلى فهم موضوعي، بهدف انتشال العقل من إمكانية السقوط في أخطاء نرجسية البداهة الأولى.

سنة 1961، أصدر باشلار كتابه الثاني عن النار تحت عنوان "شعلة قنديل"، درس من خلاله التأمُّل الشارد عند الحالم أثناء تأمُّله، منعزلًا، منزويا، أمام لهيب شعلة، محيلًا في هذا الإطار على نصوص هنري بوسكو، بليز دو فيجينير، يوهان أوغست ستريندبيرغ، جورج تراكل...

أما اللحظة الثالثة والأخيرة، فتكشف عنها الترجمة العربية الحالية، المتاحة الآن أمام القارئ، بفضل هذا الإصدار، قصد سبر أغوار آخر مسودَّة دبَّجها باشلار حول موضوع النار، وفق عنوان ملهم للغاية، اختبر تغييرات أكثر من مرَّة قبل أن يستقر على صيغته النهائية: "شظايا شعرية النار". دراسة لم تبرز مختلف جوانب تصورها المفترض لدى باشلار، إذ لم يمهله الموت، فتوفي يوم 16 أكتوبر/تشرين الاول  1962.

هكذا، استمرَّت الأوراق التي خطَّها باشلار متوارية لسنوات ضمن أدراج أرشيفه، إلى غاية سنة 1988، عندما بادرت ابنته الوحيدة سوزان باشلار—الأستاذة الجامعية المتخصِّصة بعمق في فكر إدموند هوسرل، والتي توفيت في باريس يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، عن عمر ناهز الثامنة والثمانين، ثم دُفنت إلى جوار أبيها في قريتهما الأصلية "بار-سور-أوب"— إلى إخراج الوثيقة الثمينة، بعد تجميعها، وترميم هيكلها، وتنظيمها، وتوضيبها، ثم كتابة مقدِّمة طويلة ومفصَّلة، تشرح فيها مختلف مراحل المسودَّة، أطوار كتابتها، والذكريات التي عاشتها رفقة باشلار، غاية إخراجها النهائي، وفق بناء تضمن ثلاثة فصول كبيرة، تناولت الأساطير التالية، انطلاقًا طبعًا من تيمة النار وإحالة لا متناهية على خيالاتها:

0 التعليقات: