الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، مايو 03، 2025

وداعًا محمد الشوبي: حين يخفتُ النور دون أن ينطفئ: عبده حقي

 


رحل محمد الشوبي. لفظ أنفاسه الأخيرة في صمت، لكنه ترك وراءه صدى يصعب إسكاته. ليس فقط لأنه ممثل، بل لأنه كان رجل مواقف، صوته نبرة متفرّدة في بحر التشابه، ووجهه مرايا متكسّرة تعكس وجوه المغرب المتعددة: المثقف، المتألم، المتمرّد، الحالم.

عندما أعلنت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية وفاته، لم يكن الخبر مجرد إعلان عابر. كان أشبه بلحظة حداد وطنيّ في أوساط الفن والفكر، بل وحتى في أرواح أولئك الذين لم يلتقوه أبدًا، لكنهم أحسّوا يومًا أنه يعبّر عنهم من فوق خشبة مسرح أو من خلال مشهد تلفزيوني أو سينمائي.

الشوبي الذي فارق الحياة بعد صراع طويل مع المرض، لم يكن مجرد اسم في لائحة الراحلين. بل كان حاملًا لقضية الفن في المغرب، مدافعًا عنها بنبرة لا تعرف المواربة، بشراسة المؤمن، بمرارة العارف بأن الطريق إلى التغيير مفروش بالمطبات وسوء الفهم.

مواقع متعددة نعت الراحل من اليوم 24 إلى هسبريس، ومن القناة إلى الدار، مرورًا بـرسالة الأمة، والعلم، وشمالي، وبرلمان، وناظور سيتي، والأول. كلها اتفقت، على اختلاف توجهاتها التحريرية، أن الشوبي لم يكن مجرد فنان عابر. كان بمثابة ضمير حي، صاخب أحيانًا، ساخر في الغالب، لكنه صادق دومًا.

من تابع الشوبي، سواء في أعماله الفنية أو كتاباته ومداخلاته الإعلامية، يعرف أن الرجل لم يكن محايدًا في قضايا وطنه. كان من الذين يتخذون موقفًا، ولو كلّفه الأمر التهميش أو الإقصاء. لا غرو أن غيابه أحدث صدمة داخل الأوساط الثقافية والفنية المغربية، إذ رثته النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية ونعته كبطل في زمن صعب، زمن يتآكل فيه الفن الجميل وسط العشوائية والانحدار.

في السنوات الأخيرة، اختار الشوبي أن يبتعد قليلًا عن وهج الكاميرا، ليقترب أكثر من التدوين والتعبير عن مواقفه في قضايا المجتمع. لم يكن يهتم كثيرًا بإرضاء الجميع، بل كان يقول ما يعتقده صوابًا، حتى وإن كلّفه ذلك حملات هجومية، أو صمتًا متواطئًا.

ولد محمد الشوبي في مطلع الستينات، وعاش طفولته وشبابه في مغرب ما بعد الاستقلال، زمن كان الفن فيه وسيلة للوعي الجمعي، وكان المسرح معبدًا للحرية. تخرّج من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وأصبح لاحقًا أحد أبرز ممثليه. لم تكن أدواره مكررة، بل تنوعت بين الرومانسي، المتمرد، الهامشي، الوطني، الساخط، العاشق، وحتى الرجل المكسور الذي يبحث عن كرامته في مجتمعات لا ترحم.

ساهم الشوبي في أفلام ومسلسلات ومسرحيات متعددة، لكن الأهم من ذلك أنه منح لكل شخصية طيفًا من روحه. لم يكن تمثيله ميكانيكيًا، بل نابعًا من فهم عميق لجدلية الواقع والخيال، الفن والالتزام، الصورة والموقف.

العديد من وسائل الإعلام، مثل لكم، المغرب 24 وطنجة نيوز، سلطت الضوء على مسيرته، وتحدثت عن علاقته القوية بجمهوره، عن وفائه لقيم العدالة والحرية، وعن ذلك الحزن العميق الذي كان يخفيه بابتسامة متمردة. في هذا الزمن الذي صار فيه الفن مجرد ترف، ظل الشوبي يرى فيه مقاومة: مقاومة ضد النسيان، ضد الرداءة، ضد القهر.

الموت الذي خاض معه معركة طويلة وصامتة، لم يهزمه. على العكس، بدا وكأنه اختار لحظة رحيله بهدوء وكرامة، كما اختار أن يعيش حياته من دون تنازلات.

اليوم، وهو يغادرنا إلى دار البقاء، لا نستطيع أن نرثيه بكلمات عادية. لأنه لم يكن شخصًا عاديًا. كان صوتًا مختلفًا، يشبه جرحًا نازفًا في جسد الوطن. فنانًا، نعم، لكنه أيضًا مثقف، مشاكس، عاشق لمغربه حتى النخاع.

في رثاء الشوبي، نحن لا نرثي جسدًا غاب، بل روحًا ستظل حاضرة في كل مشهد صادق، وفي كل كلمة حرة، وفي كل لحظة نقاوم فيها قبح هذا العالم بالفن. أما أعماله، فهي ستبقى، شاهدة عليه، موقعة باسمه، محفورة في ذاكرة من آمنوا بأن الفن حياة ثانية نُمنحها، حين تكون الحياة الأولى قاسية.

محمد الشوبي، وداعًا أيها الصديق المتمرد. وداعًا أيها الفنان الذي عرف كيف يموت واقفًا، كما عاش. هل ترغب أن أدرج في نهاية المقال اقتباسًا أو شهادة لأحد زملائه المقربين؟

0 التعليقات: