الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، مايو 15، 2025

مهرجان "كان" السينمائي يُحظر فساتين العري على السجادة الحمراء: عبده حقي


في خطوة وُصفت بالمفصلية في تاريخ المهرجانات السينمائية، أعلن القائمون على مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78، المنعقدة من 14 إلى 25 مايو 2025، حظر ارتداء "فساتين العري" على السجادة الحمراء. القرار، الذي دخل حيّز التنفيذ مع انطلاق المهرجان يوم الأربعاء 14 مايو، أحدث جدلاً واسعًا في الأوساط الفنية، وتباينت بشأنه الآراء بين مؤيد اعتبره استعادة للرصانة والوقار، ومعارض رأى فيه تقييدًا غير مبرر للحرية الفنية والشخصية.

لقد جاء هذا القرار ضمن مذكرة تنظيمية وزّعت على الصحفيين والمشاركين في اليوم الافتتاحي، تضمنت تفاصيل دقيقة حول "مدونة المظهر العام"، ونصّت صراحة على منع "اللباس الفاضح أو الشفاف الذي يُظهر أجزاءً حميمة من الجسد بطريقة مباشرة أو إيحائية"، ملوّحة بإمكانية منع أي فنانة من الدخول إلى القصر إذا لم تلتزم بتلك الضوابط الجديدة.

الخطوة اعتُبرت غير مسبوقة في تاريخ كان، الذي لطالما عُرف بتسامحه مع مظاهر الترف والبذخ الجريء، حيث تحوّلت السجادة الحمراء على مر السنوات إلى مسرح لعرض تصاميم تحمل توقيع كبار المصممين، كثير منها تجاوز الخطوط الحمراء في الشفافية والقصّات الجريئة.

وسائل إعلام فرنسية مثل «لوموند» و" فرانس 24" تحدثت عن وجود "ضغط متزايد من الرعاة الرسميين وبعض الجهات الثقافية" لتغيير صورة المهرجان، لا سيما في ظل اتهامات سابقة بأنه يروّج لـ"تسليع الجسد" وتحويل المناسبة الفنية إلى عرض بصري مفرط في الإثارة. وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة «Variety» الأميركية عن أحد منظمي المهرجان، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن "القرار يندرج ضمن رؤية جديدة تهدف إلى استعادة البُعد السينمائي والإنساني، بعيدًا عن الجلبة التي باتت تطغى على الجوهر الفني".

وقد لوحظ التزام واسع بالقرار خلال حفل الافتتاح، حيث اختارت معظم الفنانات المشاركات فساتين أكثر تحفظًا، تميزت بالأناقة الكلاسيكية أو الابتكار السريالي البعيد عن الإثارة المجانية. وكان لافتًا ظهور النجمة الإسبانية بينيلوبي كروز بفستان أسود طويل من توقيع "شانيل"، خالٍ من القصّات الجريئة التي عرفت بها في الدورات السابقة، كما أطلت الممثلة الفرنسية ليا سيدو بتصميم محتشم من "ديور"، وصفته الصحافة الفرنسية بأنه "أنيق بحذر".

غير أن القرار لم يمر دون انتقادات، فقد علّقت الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي في تصريح لمحطة «RAI» قائلة: "أنا مع حرية التعبير في الفن واللباس. الجسد ليس عيبًا، بل وسيلة تعبير، خصوصًا في مهرجان يحتفي بالسينما والحياة". وفي السياق نفسه، أصدرت منظمة "نساء من أجل الحرية الثقافية" بيانًا اعتبرت فيه الخطوة "عودة إلى لغة الرقابة غير المعلنة"، معتبرة أن الحظر "ينطوي على معايير مزدوجة تمس النساء دون غيرهن".

في المقابل، أيد بعض المخرجين والناقدين الخطوة، واعتبروها مدخلًا لإعادة الاعتبار للبعد الفني الذي غاب كثيرًا في ظل هيمنة الصورة البصرية على الجوهر السينمائي. الناقد السينمائي الفرنسي جون ماري لوتور قال في مقابلة مع قناة أرتي:  ما كان يحدث على السجادة الحمراء في السنوات الأخيرة خرج عن طبيعته، وتحول إلى سيرك بصري ينسي الناس أن المهرجان هو في الأساس تظاهرة فنية، لا عرض أزياء مستفز".

من جهة أخرى، ربط بعض المتابعين بين هذا القرار والسياق السياسي العام الذي تمر به فرنسا، في ظل تصاعد النقاشات حول الهوية والانضباط الاجتماعي بعد سلسلة أحداث اجتماعية شغلت الرأي العام، أبرزها احتجاجات ضد ما يُوصف بالتحرر المفرط في الفضاءات العامة. ويرى هؤلاء أن مهرجان كان، وهو واجهة رمزية للثقافة الفرنسية، يحاول التكيّف مع هذه التحولات، ولو على حساب تقاليده المتسامحة.

ويُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها مهرجان كان نقاشًا حول الأزياء؛ ففي 2015 أثار جدلاً واسعًا بعد منع نساء من دخول قاعة العرض بسبب ارتدائهن أحذية مسطحة بدلاً من الكعب العالي، مما اعتُبر حينها تمييزًا غير مبرر. واليوم، يعود المهرجان إلى قلب الجدل بقرار معاكس، لكن من زاوية أخرى تمسّ الحريات الفردية من منظور اللباس.

يبقى السؤال مطروحًا: هل هذه الخطوة مجرد نزوة تنظيمية عابرة، أم بداية لتحول ثقافي في طريقة تعامل المهرجانات العالمية مع الجسد واللباس في الفضاء العام؟ وهل سيكون لها تأثير عدوى على مهرجانات سينمائية أخرى كبرلين وتورونتو والبندقية، أم أن "كان" سيبقى وحده في هذا الخيار المثير للجدل؟

في انتظار الإجابة، يترقب العالم الأيام القادمة من المهرجان، ليس فقط لاكتشاف الأعمال السينمائية الجديدة، بل أيضًا لرصد ارتدادات هذا التحول في ملامح واحدة من أشهر السجادات الحمراء في العالم.

0 التعليقات: