في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، تواصل بعض الأطراف المناوئة للمغرب، وعلى رأسها جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، ترويج روايات مغلوطة تتناقض مع الحقائق الميدانية والسياسية الراسخة. فزيارة ما يُسمّى بـ"وزير خارجية" البوليساريو محمد يسلم بيساط إلى لندن، ولقاؤه وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البريطاني حاميش فالكَنر، جاءت مباشرة بعد الموقف البريطاني الواضح الداعم لمخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007، باعتباره أساسًا جديًا وذا مصداقية لحل النزاع الإقليمي.
ورغم محاولة بيساط
التشكيك في هذا الموقف من خلال تصريحات تتهم المقترح المغربي بـ"التقادم"،
فإن الواقع الدولي اليوم يكشف أن هذا المقترح هو الذي يحظى بزخم متصاعد وتأييد متنامٍ
من قوى دولية كبرى، من الولايات المتحدة التي اعترفت بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية
سنة 2020، إلى فرنسا التي اعتبرت الحكم الذاتي "الأساس الوحيد" لحل عادل
ودائم، وصولًا إلى إسبانيا، والبرتغال، وبريطانيا التي وصفت المقترح المغربي بأنه
"الأكثر جدية وواقعية".
الأمر لم يتوقف عند
أوروبا وأمريكا الشمالية، بل امتد إلى إفريقيا نفسها. ففي تحول لافت، أعلن الرئيس الجنوب
إفريقي الأسبق جاكوب زوما، المعروف بمواقفه التقليدية المؤيدة للبوليساريو، عن تغييره
الجذري لموقفه بعد اطلاعه على "حقائق ومعطيات جديدة" خلال زيارته الأخيرة
للمغرب. زوما، الذي شغل منصب رئاسة الدولة وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، أكد أن الموقف
السابق الداعي لما يسمى "حق تقرير المصير" أثبت فشله وعدم جدواه، وأن المغرب
قدّم رؤية عملية تقوم على الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية، معزَّزة بسياسات تنموية
غير مسبوقة في الأقاليم الجنوبية.
وتكفي جولة بسيطة في
مدن العيون والداخلة والسمارة لإدراك حجم التحولات التي عرفتها المنطقة بفضل الاستثمارات
الضخمة في البنية التحتية، والطاقات المتجددة، والصيد البحري، والطرق والموانئ، وهي
مشاريع جعلت من الصحراء المغربية بوابة حقيقية نحو إفريقيا جنوب الصحراء، ورافعة للتعاون
الإقليمي والدولي. هذه النهضة التنموية الملموسة تنسف المزاعم التي تحاول البوليساريو
الترويج لها في المحافل الدولية عن "التهميش" أو "الاحتلال"، إذ
يعيش سكان الأقاليم الجنوبية اليوم في ظل دينامية اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، مع
ضمان تمثيلهم في المؤسسات الوطنية المنتخبة.
إن المواقف الدولية
المتزايدة المؤيدة للمقترح المغربي تكشف عزلة الطرح الانفصالي، وتؤكد أن الواقعية السياسية
هي التي تنتصر على الشعارات الأيديولوجية الجامدة. وإذا كانت بريطانيا – العضو الدائم
في مجلس الأمن – اليوم تدعم الحكم الذاتي كحل جدي، وتبقي على تواصلها مع جميع الأطراف
بهدف الدفع نحو تسوية نهائية، فإن التحول المماثل في موقف شخصية وازنة مثل جاكوب زوما
يثبت أن العالم بدأ يدرك عبثية الرهان على مشروع انفصالي مرتبط بأجندات إقليمية ضيقة.
إن المغرب، من خلال
تمسكه بمقترح الحكم الذاتي، لا يطرح حلاً تفاوضيًا فحسب، بل يقدم نموذجًا للتنمية المندمجة
واحترام الخصوصيات الثقافية والاجتماعية لسكان الصحراء، في إطار سيادة وطنية ثابتة
وغير قابلة للمساومة. ومع استمرار هذا الزخم الدولي، تتهاوى سرديات البوليساريو، ويترسخ
واقع جديد يجعل من الأقاليم الجنوبية المغربية فضاءً للأمل والبناء، لا ساحة لصراع
مفتعل عمر نصف قرن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق