إِذَا كُنَّا نُحاوِلُ أَنْ نَلْتَقِطَ نَبْضَ الثَّقافَةِ وَالفُنُونِ وَالإِعْلامِ وَالتِّكْنالُوجْيا وَالأَدَبِ الرَّقْمِيِّ فِي يَوْمِهِمْ الحارِّ، فَإِنَّ خَريطَةَ الأَخْبارِ اليَوْمَ تَرْسُمُ مَشْهَدًا مُرَكَّبًا يَتَقاطَعُ فِيهِ المَحَلِّيُّ بِالعالَمِيِّ، وَيَتَسانَدُ فِيهِ التُّراثُ مَعَ التَّحَوُّلِ الرَّقْمِيِّ. فِي المَغْرِبِ، تَصْعَدُ الحَياةُ الثَّقافِيَّةُ إِلى مَوْعِدٍ مُتَجَدِّدٍ مَعَ أَسْبوعٍ صُوفِيٍّ حافِلٍ؛ فَقَدِ اخْتَتَمَتْ فاسُ مُنْذُ أَيَّامٍ مَهْرَجانَها الصُّوفِيَّ فِي دَوْرَتِهِ السّابِعَةَ عَشْرَةَ، حَيْثُ اجْتَمَعَ فَنَّانُونَ وَباحِثُونَ وَمُوسِيقِيُّونَ مِنْ أَقْطارٍ مُخْتَلِفَةٍ ليُجَدِّدُوا قِيمَ الإِنْشادِ وَالحُضُورِ الرُّوحِيِّ فِي الفَضاءِ العُمُوميِّ، وَيُؤَكِّدُوا أَنَّ الوَصْلَ بَيْنَ الذَّاكِرَةِ وَالجَمالِ ما زالَ فاعِلًا فِي تَجْرِبَةِ المَغارِبَةِ. وَعَلَى أَبْوابِ الذِّكْرَى الخَمْسِينَ لِلمَسِيرَةِ الخَضْراءِ (6 نُونْبِر)، يَتَعاظَمُ الحُضُورُ الرَّمْزِيُّ لِهَذِهِ المَلْحَمَةِ فِي الفُنُونِ وَالمَوْسِيقَى وَالْكِتابَةِ، مِمَّا يُحَوِّلُها إِلى مَعْلَمٍ سَمْعِيٍّ وَبَصَرِيٍّ لِهُوِيَّةٍ قَوْمِيَّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ. وَفِي المَناطِقِ الدَّاخِلِيَّةِ تَتَواصَلُ أَسَابِيعُ الحِرَفِ وَالفُرُوجِ الشَّعْبِيَّةِ—مِثْلَ مِهْرَجانِ زَرابِي أُوَعْوُزْگِيت—لِتُذَكِّرَ بِأَنَّ الثَّقافَةَ المَحْلِيَّةَ هِيَ أَيْضًا اقْتِصادُ مَعِيشَةٍ وَذَخِيرَةُ مَعْنى.
أَمَّا فِي العالَمِ العَرَبِيِّ، فَتَتَّجِهُ الأَنْظارُ إِلى الشّارِقَةِ؛ حَيْثُ افْتُتِحَ مُؤْتَمَرُ النّاشِرِينَ الدَّوْلِيُّ كَمُقَدِّمَةٍ لِمَعْرِضِ الشّارِقَةِ لِلكِتابِ، بِمُشارَكَةِ أَلْفٍ وَمِئَتَيْ نَاشِرٍ وَأَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ بَلَدٍ، فِي إِشارَةٍ واضِحَةٍ إِلى تَحَوُّلِ الخَليجِ إِلى عُقْدَةِ تَوْصِيلٍ كِتابِيٍّ وَمَعْرِفِيٍّ لِلْمَنْطِقَةِ. وَتُعْلِنُ مُشارَكاتٌ خَليجِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ واسِعَةٌ أَنَّ صِناعَةَ النَّشْرِ تَسْتَعِدُّ لِمَوْسِمٍ قَوِيٍّ يَزْخَرُ بِالشَّراكاتِ وَالمَبادِراتِ التَّحْوِيلِيَّةِ.
وَعَلَى مُسْتَوَى إِفْريقْيا، تَدْخُلُ القارَّةُ نُقْطَةَ تَلالُؤٍ فَنِّيٍّ وَمُؤَسَّسِيٍّ: فَمُتْحَفُ فَنُونِ غَرْبِ إِفْريقْيا يَفْتَحُ أَبْوابَهُ فِي بِنِين سِتِي هَذَا الشَّهْرَ، حامِلًا مَشْاريعَ بَحْثٍ وَعَرْضٍ تُواصِلُ رَبْطَ التَّراثِ بِالمُسْتَقْبَلِ؛ وَفِي جِنِيفَ تُقَدِّمُ قاعَةُ «مِيوزِيه رات» قَرْنًا مِنَ الفَنِّ الإِفْريقيِّ فِي مَعْرِضٍ يَجْمَعُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمانينَ فَنّانًا، فِيمَا تَعْبُرُ أَصْواتٌ مِنْ زِمْبابْوِي وَجَنُوبِ إِفْريقْيا إِلى دالاسَ لِتُحاوِرَ الهُوِيَّةَ وَالحُدُودَ. هَذِهِ الحِراكاتُ تُواكِبُهَا أَيْضًا مُراجَعَةٌ لِدَوْرِ المَهْرَجاناتِ التَّقارُبِيَّةِ فِي السّاحِلِ، بَعْدَ أَعْوامٍ مِنِ الاضْطِرابِ السِّياسِيِّ وَالأَمْنِيِّ.
وَعَالَمِيًّا، يَبْقَى بَيْنَالِي البُنْيَانِ وَالفُنُونِ مِحْوَرًا لِلتَّتَابُعِ؛ إِذْ تَتَسَرَّبُ أَصْداءُ مَشاريعَ أَكادِيمِيَّةٍ وَعَمَلِيَّةٍ جَديدَةٍ في فِينيسْيا، مَعَ تَجْدِيدٍ لِلنِّقاشِ حَوْلَ العَلاقَةِ بَيْنَ «المادَّةِ» وَ«الرَّقْمِ» فِي الخَيْمَةِ الكُبْرَى لِلفُنُونِ البَصَرِيَّةِ. وَفِي خارِجِ البِنالِي، تُسْهِمُ قَوائِمُ المَعارِضِ الكُبْرى حَوْلَ العالَمِ فِي رَسْمِ بَوصَلَةٍ لِشَهْرِ نُونْبِر، مِنْ شانْغْهاي إِلى إِدِنْبِرا.
فِي مَجالِ الصَّحابَةِ وَالإِعْلامِ وَالتِّكْنالُوجْيا وَالذَّكاءِ الِاصْطِناعِيِّ، يَتَحَرَّكُ المَشْهَدُ المَغْرِبِيُّ نَحْوَ تَعْزيزِ السِّيادَةِ الرَّقْمِيَّةِ وَحَوْكَمَةِ البِياناتِ بِرُؤْيَةٍ تَنْموِيَّةٍ تُوازِنُ بَيْنَ الاسْتِثْمَارِ وَحِمايَةِ المَعْطَياتِ؛ وَعَلَى الهامِشِ تَتَواصَلُ المُراجَعاتُ الأَكَادِيمِيَّةُ وَالمَدَنِيَّةُ لِواقِعِ حُرِّيَّةِ الصَّحابَةِ وَأَدائِها فِي بِلادِنا. وَعَرَبِيًّا، يَبْدو أَنَّ الحِراكَ الأَكادِيمِيَّ وَالصّناعِيَّ يَتَقَدَّمُ خُطُواتٍ مُتَسارِعَةً—مَعَ مُبادَراتٍ جامِعِيَّةٍ وَصِناعِيَّةٍ فِي الخَليجِ لِبِناءِ مَعاهِدَ وَمَصانِعَ «ذَكاءِ» تَسْتَعْمِلُ أَجْهِزَةَ مُعالَجَةٍ مُتَقَدِّمَةً—بِما يَعْكِسُ تَنافُسًا إِقْلِيمِيًّا عَلَى بُنْيانِ البُنى التَّحْتِيَّةِ الَّتي سَتَحْمِلُ النَّماذِجَ الكَبيرَةَ فِي السِّنينَ المُقْبِلَةِ. وَإِفْريقِيًّا، تَدْقُ فَوَاعِلُ القِمَمِ وَالمُنْتَدَياتِ أَبْوابَ نُونْبِرَ بِمُواعِيدَ مِن نيروبي إِلى أَروشا وَمومْباسا، حَيْثُ يَتَراجَعُ الفارِقُ بَيْنَ البَحْثِ وَالتَّطْبِيقِ مَعَ تَوَسُّعِ سُوقِ التَّطْبِيقَاتِ وَالخِدْماتِ الرَّقْمِيَّةِ. وَعَالَمِيًّا، خَبَرُ اليَوْمِ الَّذي يَسْتَحِقُّ التَّوَقُّفَ هُوَ اتِّفاقٌ ضَخْمٌ بَيْنَ أَكْبَرِ شَرِكاتِ الذَّكاءِ الِاصْطِناعِيِّ وَعِمْلاقِ الحوسَبَةِ السَّحابِيَّةِ لِتَشْغيلِ أَحْمالِ الذَّكاءِ عَلَى بُنى تَحْتِيَّةٍ واسِعَةٍ—مِمَّا يُؤَشِّرُ إِلى مُعَادَلاتٍ جَديدَةٍ فِي اقتِصادِ القُدْرَةِ الحِسابِيَّةِ وَتَوْزيعِها. وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ، تَسْتَمِرُّ المُنَظَّماتُ الدَّوْلِيَّةُ وَالمَرَاكِزُ البَحْثِيَّةُ فِي تَحْدِيثِ قَوائِمِها حَوْلَ مُفْتَرِسِي حُرِّيَّةِ الصَّحابَةِ وَأَدَواتِ رَقابَتِهِمْ الرَّقْمِيَّةِ، لِتُنَبِّهَ إِلى أَنَّ ثَمَنَ التَّقَدُّمِ التِّقْنِيِّ يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ عَلى حِسابِ حُقُوقِ المُواطِنِينَ وَسلامَةِ الفَضاءِ العامِّ.
وَإِذا انْتَقَلْنا إِلى الأَدَبِ الرَّقْمِيِّ، فَإِنَّ اليَوْمَ يُجَدِّدُ إِيقاعَهُ بِعُرُوضٍ وَمُبادَراتٍ تَجْعَلُ العالَمَ العَرَبِيَّ وَإِفْريقْيا وَالمَشْهَدَ الدَّوْلِيَّ فِي خَيْطٍ واحِدٍ: فَفِي أَبُوظَبِي تَنْطَلِقُ مَشْروعَاتٌ لِمَكْتَبَةٍ عَرَبِيَّةٍ رَقْمِيَّةٍ واسِعَةِ النِّطاقِ بِشَراكَةٍ تِجارِيَّةٍ تُسَهِّلُ إِتاحةَ الكُتُبِ وَتَعْظيمَ وُصُولِها؛ وَفِي المَغْرِبِ وَالمَشْرِقِ يَسْتَعِدُّ المُنْشِئُونَ وَالقُرّاءُ لِمَوْعِدِ المَعارِضِ وَالمَهْرَجاناتِ الَّتي تَزُجُّ بِالجِيلِ الجَديدِ إِلى التَّفاعُلِ مَعَ النُّصُوصِ عَبْرَ الحَواسيبِ وَالهَواتِفِ؛ أَمَّا الدَّوْلِيٌّ فَيَرْفَعُ السِّتارَ عَنْ دَوْرَةٍ قادِمَةٍ لِمُنَظَّمَةِ الأَدَبِ الإِلِكْتُرونِيِّ، مَعَ إِعْلانِ مُبَكِّرٍ لِمُؤْتَمَرٍ عَلَى الخَطِّ وَمُواصَلَةِ جَوائِزِهَا السَّنَوِيَّةِ، بَيْنَما يَبْدَأُ فِي هَذَا الشَّهْرِ تَقْليدٌ إِبْداعِيٌّ طَريفٌ يَكْتُبُ فِيهِ المُبْدِعونَ «رِواياتٍ مُوَلَّدَةً بِالشِّيفْرَةِ» طِوالَ نُونْبِرَ. وَفِي إِفْريقْيا الأَدَبِيَّةِ، تَتَقاطَعُ أَبْحاثٌ جَديدَةٌ حَوْلَ أَثَرِ وَسائِلِ التَّواصُلِ الاجْتِماعِيِّ فِي الأَدَبِ الأَفْروفُونِيِّ، لِتُجَدِّدَ سُؤالَ اللُّغَةِ وَالمَسْرودِ وَالجُمهورِ فِي آنٍ. هَذِهِ الحِراكاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ «الأَدَبَ» لَمْ يَعُدْ نَصًّا فَقَطْ، بَلْ نِظامًا إِيكولوجِيًّا مِنَ الأَدواتِ وَالمَجالِسِ وَحُقوقِ النَّفاذِ وَمَقاصِدِ التَّوْثِيقِ.
وَبَيْنَ هَذِهِ الخُلاصاتِ جَمِيعِها، يَبْقى الخَيْطُ النّاظِمُ لِأَخْبارِ اليَوْمِ هُوَ تَوازُنُ «التَّجْذِيرِ» وَ«التَّحْدِيثِ»: فَالمَغْرِبُ يَسْتَحْضِرُ ذاكِرَتَهُ وَيُحَدِّثُ بِنْياتِهِ الرَّقْمِيَّةَ؛ وَالعالَمُ العَرَبِيُّ يُوسِّعُ أُفُقَ النَّشْرِ وَالتَّلاقِي؛ وَإِفْريقْيا تُقَدِّمُ فُنُونَها وَتَبْنِي مَرافِقَها؛ وَالسُّوقُ الدَّوْلِيَّةُ لِلذَّكاءِ الِاصْطِناعِيِّ تُعيدُ رَسْمَ قَواعِدِ اللُّعْبَةِ بَيْنَ الحِسابِ وَالمُخَيِّلَةِ. هَكَذا يَتَقاسَمُ اليَوْمُ أَدْوارَهُ بَيْنَ مَسارِحِ الفَنِّ وَمَخابِرِ الكودِ، بَيْنَ المَوْسِمِ وَالمَنْصَّةِ، لِيَتَكَوَّنَ مِمَّا نَعِيشُهُ نَفْسِهِ «خَبَرٌ مُسْتَرْسِلٌ» يَنْطِقُ بِلُغَةِ الحَياةِ وَإِيقاعِها.







0 التعليقات:
إرسال تعليق