الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الاثنين، ديسمبر 01، 2025

جديد عالم الموسيقى ومشاهير الغناء : إعداد عبده حقي

 


يعيشُ المشهدُ السينمائيُّ اليوم حالةَ حراكٍ لافتةٍ على أكثرَ من جبهة، من المغرب والعالم العربي إلى أوروبا والولايات المتحدة، في تداخلٍ يؤكّد أنّ السينما ما زالت إحدى أقوى لغاتِ العالم، رغم تحوّلات المنصّات الرقمية وتبدّل عادات الجمهور.

في المغرب، تتجه الأنظار أوّلًا إلى مراكش التي تحوّلت خلال الفترة الممتدة من 28 نونبر إلى 6 دجنبر 2025 إلى عاصمة كونية للسينما مع انعقاد الدورة الثانية والعشرين للمهرجان الدولي للفيلم، بمشاركة 82 فيلمًا من 31 دولة، ولائحة ضيوف تضمّ أسماء لامعة من السينما العربية والعالمية، ولجنة تحكيم دولية تؤكد رهان المهرجان على البعد الفني لا السياحي فقط حضورُ الأمير مولاي رشيد في حفل الافتتاح، والخطاب الذي ذكّر فيه بدور السينما كـ«مرجعٍ معنويّ في عالم مضطرب»، أعطى للموعد بُعدًا رمزيًا ينسجم مع صورة المغرب كمنصّة إقليمية لتلاقي صنّاع الصورة المتحركة.

هذا الحراك يتقاطع مع دينامية أخرى في طنجة، حيث أكّد المهرجان الوطني للفيلم في دورته الخامسة والعشرين – المنظم بين 17 و25 أكتوبر – حيوية السينما المغربية الجديدة، من خلال برمجة غنية وأفلام تزاوج بين الذاكرة الفردية والأسئلة الاجتماعية والرهانات الجمالية. وقد برز في هذه الدورة تتويج فيلم «البحر في البعيد» لسعيد حميش، الذي اعتُبر تكريسًا لاتجاه سينمائي يشتغل على الحدود بين السيرة والتخييل، وعلى هشاشة الأفراد في مواجهة التحوّلات الكبرى. إلى جانب ذلك، يواصل المركز السينمائي المغربي استقطاب إنتاجات أجنبية لتصوير أعمالها في فضاءات المملكة، ما يعزّز حضور المغرب كـ«استوديو مفتوح» يخدم الاقتصاد الثقافي والسياحة معًا.

امتدادُ هذا الزخم المغربي يجد صداه في الفضاء العربي الأوسع، حيث يستعدّ البحر الأحمر في جدّة لاحتضان الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بين 4 و13 دجنبر، ببرمجة تضمّ أكثر من مائة فيلم من العالم، منها ستة عشر فيلمًا في المسابقة الرسمية، ما يجعل من المهرجان أحد أهم مختبرات السينما العربية الجديدة، ومكانًا لالتقاء الإنتاجات الخليجية مع تجارب من شمال إفريقيا والمشرق وأوروبا وآسيا. في هذا السياق نفسه، يبرز الحضور المغربي مجددًا عبر أفلام قصيرة تشارك في مسابقات المهرجان وتعيد تأكيد قدرة السينمائيين المغاربة على اقتراح حساسيّة بصرية جديدة داخل المشهد العربي.

إلى جانب المهرجانات، يشهد العالم العربي مبادرة لافتة مع إطلاق برنامج «سينماد» (CineMAD) من طرف شركة MAD Solutions، وهو مشروع يهدف إلى نقل أفلام عربية مستقلة، حقّقت حضورًا في المهرجانات العالمية، إلى صالات تجارية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في محاولة لتجاوز الفجوة التقليدية بين «سينما المهرجانات» و«سينما الشباك». انطلاقة البرنامج في دجنبر القادم من قاعات «بريمير» في القاهرة، مع عروض خاصة تمزج بين الموسيقى والسينما، تعني عمليًا فتح نافذة دوريّة للجمهور العربي على سينما بديلة، لا تصل عادة إلا إلى دوائر ضيقة من المتابعين.

في أوروبا، يتخذ الحراك طابعًا متعدّد الطبقات بين المهرجانات الكبرى والمواعيد المتخصّصة. فالقارّة العجوز تواصل ترسيخ تقليد «المهرجان كفضاء للنقاش العمومي»، كما عكسته مثلًا الدورة السادسة والعشرون لمهرجان الفيلم الأوروبي في إيطاليا، التي اعتُبرت من أكثر الدورات حضورًا وإقبالًا في السنوات الأخيرة، مع تكريم مخرجين بارزين مثل لارس فون ترير وسافيريو كوستانزو ومنح جائزة «شجرة الزيتون الذهبية» لمسيرة منتج أوروبي مخضرم. في السياق نفسه، يحتفل مهرجان كورك الدولي في إيرلندا بدورته السبعين، ما يؤكد تجذّر تقاليد العرض السينمائي في فضاء أوروبي يعيش أيضًا ضغط المنصّات الرقمية وتحولات نموذج التمويل.

إلى جانب هذه المواعيد، تكشف الأخبار المتتابعة عن نشاط كثيف في مهرجانات مثل Euro Balkan Film Festival، و«سينيماميد» في بروكسل، ومهرجان «ليزارك» للسينما الأوروبية في فرنسا، وكلها فضاءات تسعى لإبراز السينما الأوروبية كحقل متنوع الهويات، من أوروبا الشرقية إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط. في هذا الإطار، لا تقتصر أهمية هذه المهرجانات على الجوائز، بل على النقاشات التي تطرحها حول التمويل المشترك، والتوزيع، وحضور السينما الأوروبية في سوق عالمي تزداد فيه هيمنة الإنتاجات الهوليوودية وسلاسل المنصات العالمية.

على الضفّة الأخرى من الأطلسي، تبدو الولايات المتحدة في سباق جديد لإنعاش شباك التذاكر، وقد جاء موسم عيد الشكر هذا العام ليمنح القاعات دفعة قوية بفضل النجاح الكاسح لفيلم «زوتوبيا 2» من إنتاج ديزني، والذي حطّم أرقامًا قياسية بتحقيقه ما يقارب نصف مليار دولار عالميًا في أيامه الأولى، مع افتتاح يناهز 150 مليون دولار في السوق الأمريكية وأكثر من 400 مليون دولار دوليًا، ليصبح أحد أكبر افتتاحات الأفلام المتحركة في التاريخ وأكبر افتتاح عالمي لعام 2025. تزامن هذا النجاح مع الأداء القوي لفيلم «ويكيد: فور غود» من إنتاج يونيفرسال، ما جعل موسم العطلات يبدو واعدًا في تعويض جزء من التراجع الذي عرفته شباك التذاكر مقارنة بما قبل الجائحة.

في الوقت نفسه، يواصل السوق الأمريكي إعادة توزيع ثقل المتابعة بين القاعات ومنصّات البث؛ ففيلم «Regretting You» المقتبس عن رواية كولين هوفر حقق أكثر من 80 مليون دولار في الصالات، وهو ينتقل الآن إلى العرض الرقمي على منصات مثل أمازون برايم وآبل TV، في نموذج هجين يدمج بين العروض التجارية الأولى والإصدار السريع عبر الطلب. كما تتدفق إلى المنصات قائمة طويلة من الأعمال الجديدة، من أفلام الأبطال الخارقين إلى إعادة قراءة الكلاسيكيات، في محاولة لاستثمار شهرة العناوين لجذب مشتركي منصات البث المتنافسة.

هذه التطورات في أمريكا لا تنفصل عن دينامية عالمية أوسع، يتداخل فيها ما هو اقتصادي بما هو ثقافي. فعودة الجماهير تدريجيًا إلى قاعات السينما، مع استمرار تراجع الأرقام مقارنة بسنة 2019، تجعل من كل موسم ناجح – مثل موسم عيد الشكر الحالي – اختبارًا مهمًا لمستقبل نموذج التوزيع التقليدي. في المقابل، تتعامل أوروبا بحذر مع ضغط المنصات عبر دعم المهرجانات والإنتاج المشترك، بينما يبحث العالم العربي عن صيغ مبتكرة مثل «سينماد» لدمج سينما المهرجانات في الحياة اليومية للصالات، ويستثمر المغرب – عبر مراكش وطنجة وبنيات التصوير المنتشرة في ورزازات وأكادير والجنوب – موقعه كجسر رمزي ومادي بين هذه العوالم.

في المحصّلة، يمكن القول إن الجديد في المشهد السينمائي لا يقتصر على عناوين الأفلام الفائزة أو أرقام شباك التذاكر، بل يشمل أيضًا تحوّل بنية التداول نفسها: مهرجانات تستعيد دورها كفضاءات للنقاش الثقافي، مبادرات عربية تسعى إلى كسر عزلة السينما المستقلة، سياسة مغربية تدمج بين البعد الثقافي والدبلوماسي، وأمريكا تحاول إعادة تعريف علاقة الجمهور بالقاعات في ظل منافسة شرسة مع المنصّات. وسط كل ذلك، تبقى السينما فنًّا يلتقط قلق العالم وأسئلته، وجسرًا يربط مراكش وطنجة وجدّة وروما ونيويورك في شاشة واحدة، وإن اختلفت لغات الحوار وخرائط الإنتاج.


0 التعليقات: