الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الأربعاء، ديسمبر 03، 2025

جيل “زد” الإفريقي يتحدّى الوضع القائم : عبده حقي

 


بدأ كل شيء بمأساة في المغرب خلال شهر غشت الماضي، حين توفيت ثماني نساء أثناء الولادة في مستشفى الحسن الثاني بمدينة أكادير. أحدث الخبر صدمة واسعة في البلاد، مجسّدًا شعورًا متزايدًا بالإحباط لدى الشباب الذين يشعرون بأن المؤسسات العمومية تخلّت عنهم. وبالنسبة لكثير من أبناء جيل “زد” في إفريقيا، أكّد الحادث ما كانوا يعتقدونه منذ مدة: أن الإهمال البنيوي لم يعد شعارًا سياسيًا مجردًا، بل واقعًا ملموسًا له عواقب قاتلة.

في مختلف أنحاء القارة، يبرز جيل جديد — شديد الارتباط بالعالم الرقمي، واعٍ سياسيًا، وغير مستعد لقبول الأعذار القديمة المتعلقة بالفساد أو البيروقراطية أو “نقص الموارد”. فمن الدار البيضاء إلى نيروبي، ومن لاغوس إلى جوهانسبورغ، يحوّل الشباب الأفارقة إحباطهم إلى نشاط رقمي، ومبادرات مجتمعية، ومطالب جريئة بالمساءلة.

في المغرب، تحولت مأساة أكادير إلى نقطة تجمّع. إذ تساءلت الحملات الإلكترونية كيف يمكن أن تحدث وفيات قابلة للتفادي في مستشفى إقليمي كبير، ولماذا تتعثر الوعود بإصلاح القطاع الصحي قبل أن تصل إلى الفئات الأكثر احتياجًا. وسرعان ما توسّع الغضب ليشمل قضايا أوسع تتعلق بالحكامة والشفافية وعدم المساواة الاجتماعية.

وتتكرر الظاهرة نفسها في دول أخرى. ففي نيجيريا، كان جيل “زد” في قلب حركة #EndSARS التي تحدت عنف الشرطة وطالبت بإصلاحات مؤسساتية. وفي كينيا، حشد الشباب حملات ضد الركود الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة. أما في جنوب أفريقيا، فقد دفع طلاب الجامعات — من خلال حركة Fees Must Fall — بقضية الولوج إلى التعليم إلى صدارة النقاش الوطني.

إن ما يوحّد هذه الحركات ليس الغضب فقط، بل ثقة جديدة قوية. فجـيـل “زد” الإفريقي أكثر تعليمًا، وأشد ارتباطًا بالعالم، وأقل صبرًا تجاه الجمود السياسي مقارنةً بالأجيال السابقة. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي منحته أدوات غير مسبوقة لكشف التجاوزات، وتبادل القصص، وبناء شبكات تمتد عبر الحدود.

ويتجلّى تحدي هذا الجيل للوضع القائم أيضًا في إعادة تشكيل الهوية الثقافية. فالكثير من الشباب الأفارقة يرفضون روايات الضحية، ويختارون بدلًا من ذلك تبنّي الإبداع وريادة الأعمال وبناء تعريفهم الذاتي. إنهم يطلقون بودكاستات، وعلامات أزياء، وشركات ناشئة، ومنصات للفن الرقمي تعكس قارة حديثة ترفض أن تُحبس داخل الصور النمطية القديمة.

ومع ذلك، لا يزال المستقبل غير واضح المعالم. فبينما تُقِرّ الحكومات بتزايد تأثير الفئات الشابة، لا تزال العديد منها متوجّسة من التغيير ومقاومة لمطالب الإصلاح العميق. إن التوتر بين أغلبية شابة ونخب سياسية متقدمة في السن أصبح أحد الخطوط الفاصلة الأساسية في إفريقيا المعاصرة.

ومع ذلك، يبقى أمر واحد جليًا: جيل “زد” لم يعد ينتظر الإذن لكي يتكلم. لقد كانت مأساة أكادير تذكيرًا قاسيًا بثمن الصمت، لكنها أيضًا أشعلت شرارة. وفي أنحاء القارة، يتقدّم الشباب برسالة عاجلة ومفعمة بالأمل: المستقبل سيكون مختلفًا، لأنهم ينوون أن يصنعوه بأنفسهم.


0 التعليقات: