الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الثلاثاء، ديسمبر 02، 2025

ظِلّ آخر للجداريات: عبده حقي

 


1 ــ ظِلّ آخر للجداريات

في الصباح، اكتشفتُ أن جداري على الفيسبوك صار يكتب وحده.
لم أعد أعرف من يكتب للآخر: أنا… أم الشبح الذي سكن أصابعي.
كلما حاولتُ الحذف، ظهر تعليق جديد يقول لي: اتركني أنضج، لا تتدخل في تربيتي.

2 ــ زرّ الإعجاب الذي اختفى

ضغطتُ على زرّ الإعجاب فاختفى.
بقيتْ صور الناس معلّقة مثل ملصقات على جدار مهجور،
لكن بلا زرّ واحد يثبت أن أحدًا مرّ من هنا.
عند المساء عاد الزرّ، لكن بوجهٍ لا يشبهه: عينان متعبتان، وابتسامة مرتبكة.

3 ــ رجلٌ يعيش داخل الوسم

كان هناك رجلٌ صغير يعيش داخل هاشتاغ.
كلما كتبه أحد، تمددت غرفته.
لكن حين صمت الجميع، عاد الهاشتاغ إلى نقطة صغيرة، فصار الرجل نفسه نقطة.

4 ــ الرسالة التي تمشي على قدمين

فتحتُ الرسائل الخاصة، فوجدت رسالةً تخرج من الشاشة
تمشي بخجلٍ على قدمين من الضوء،
وقالت لي: لقد تعبتُ من الاختباء في الصندوق الداكن… دعني أتنفس.

5 ــ المرآة التي تصحّح الوجوه

مررتُ أمام كاميرا الهاتف،
فصلّحت المرآة شكل أنفي دون أن أطلب،
وأعادت رسم حاجبيّ كما تخيَّلت أني أريد،
ثم همست: لا تقل لأحد… الكمال مجرد عادة سيئة.

6 ــ قلبٌ ينزف إشعارات

كان قلبي يرنّ كل دقيقة.
في البداية ظننتها إشعارات،
ثم اكتشفتُ أن قلبي نفسه هو الذي يرسل لي تنبيهات:
انتبه، لقد نسيتَ أن تعيش خارج الشاشة.

7 ــ مانحُ المتابعين

في الحلم، ظهر شيخٌ بهالة من الواي فاي فوق رأسه،
وقال لي: يا ولدي، سأمنحك ألف متابع…
لكن عليك أن تتبرع بظلّك.

استيقظتُ بلا ظلّ، وبألف متابع بلا وجوه.

8 ــ السوق السوداء للذكريات

على إنستغرام، صادفت متجراً يبيع ذكريات مستعملة.
أشتري واحدة، فأرى طفلاً يشبهني يجري وسط غابة،
لكن الغابة ليست مغربية، والطفل ليس أنا…
ورغم ذلك شعرتُ بالخسارة.

9 ــ غرفة التعليقات التي تتنفس

كلما كتبتُ منشورًا،
تنفتح غرفة التعليقات كصدرٍ يعلو ويهبط.
أدخل لأطمئن،
فأجد الكلمات ملقاة على الأرض مثل قشور بصل،
والغرفة نفسها تقول: سامحني، أنا لا أحتمل ضجيج البشر.

10 ــ صورةٌ ترفض أن تُنشر

التقطتُ صورة لشجرة قرب بيتي.
حين حاولتُ نشرها، رفضت.
ظهرت رسالة صغيرة فوقها:
دعيني أشيخ في الظلال… العالم لا يحتاج مزيدًا من الجمال السريع.

11 ــ الحساب الذي نفد عمره

وصلني إشعارٌ يخبرني بأن حسابًا لصديقٍ قديم أصبح بلا عمر.
لم أكن أعلم أن الحسابات أيضًا تموت.
دخلتُ صفحته… فكانت منشوراته ترتج،
كأنها تلوّح لي للمرة الأخيرة.

12 ــ المرأة التي تسكن البث المباشر

في بثٍّ مباشر، رأيتُ امرأة خلفي.
التفتُّ فلم أجدها.
عُدتُ للشاشة، فوجدتها تبتسم لي بثقةٍ لا تخصّني.
كتبت لي: لا تقلق… أنا مجرد نسخة تحاول أن تعيش مكانك.

13 ــ أصابع مصنوعة من الضوء

كتبتُ منشورًا طويلاً،
وحين أردتُ مسحه،
وجدتُ أصابعي تلمع كأنها أصبحت من ضوءٍ لا يمكنه اللمس.
ظلّ المنشور هناك، يراقبني،
كجملة رفضت أن تُحذف لأنها تعرف حقيقتي أكثر مما أعرف نفسي.

14 ــ وطنٌ بحجم صندوق الرسائل

أقفلت الحدود…
لكن صندوق رسائلي ظلّ مفتوحًا.
صار الوطن كله مساحة زرقاء:
أصدقاء بعيدون، كلام يقفز، ضحكات تُرسل بلا شفة.
فهمتُ أن الحرية أحيانًا مجرد أيقونة.

15 ــ آخر صورة في الكون

في ليلةٍ غريبة، توقفت كل المنصات فجأة.
الناس خرجوا للشوارع مذهولين،
يتفقدون جيوبهم بحثًا عن آخر صورة شاهدُوها.
أما أنا، فوجدتُ في جيبي صورةً بيضاء،
كتبتْ عليها الريح: ابدأ من هنا… بلا جمهور.


0 التعليقات: