الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الاثنين، ديسمبر 08، 2025

قراءة في دينامية الإصلاح وتحديث الدولة بالمغرب: عبده حقي

 


في سياق وطني وإقليمي يتّسم بتقلبات اقتصادية عالمية وتحديات اجتماعية متراكمة، واصلت الحكومة المغربية نهجها القائم على تحقيق التوازن بين الإصلاح الهيكلي وتحسين المعيش اليومي للمواطن. وقد أسهم هذا التوجه في ترسيخ صورة حكومة تعمل بمنطق الاستمرارية والفعالية، مستندة إلى رؤية شمولية تضع التنمية البشرية والازدهار الاقتصادي في مقدمة أولوياتها. وبالنظر إلى حصيلتها خلال السنوات الأخيرة، يتبيّن أن مجموعة من الأوراش الكبرى قد تحققت على أرض الواقع، مما يعكس إرادة سياسية واضحة في تحديث الدولة وتقوية صمود الاقتصاد الوطني.

يمثّل الاستقرار الاقتصادي أحد أبرز عناوين الأداء الحكومي. فقد سجّل الاقتصاد الوطني نموًا واضحًا بفضل انتعاش القطاعات الصناعية والخدماتية، ما مكّن من تجاوز آثار الأزمات الصحية والجيوسياسية التي أثرت على العالم. وارتفع الاستثمار العمومي بشكل ملحوظ ليبلغ مستويات غير مسبوقة، وهو ما ساهم في خلق قيمة مضافة على مستوى البنيات التحتية، ودعم مشاريع كبرى في مجالات الطاقات المتجددة، والصناعة، والنقل، والموانئ.

كما شهدت جاذبية المغرب للاستثمارات الأجنبية المباشرة تحسنًا مهمًا، إذ استفاد من موقعه الاستراتيجي وسياساته المحفزة، إلى جانب استقراره المؤسساتي وتوافقه مع المعايير الدولية. هذه الدينامية جعلت المملكة فضاءً استثمارياً تنافسياً، ما أتاح فرص شغل جديدة وفتح الباب أمام شراكات دولية واسعة.

واكبت الحكومة التحولات العالمية عبر إدخال إصلاحات جوهرية على سوق الشغل. وقد شملت هذه التحديثات الاعتراف بأنماط العمل الجديدة مثل العمل عن بُعد والعمل عبر المنصات الرقمية، مما يمنح الشباب المغربي مساحة أكبر للاندماج في الاقتصاد الرقمي العالمي. وخلال هذه المرحلة، تم التركيز على إطار قانوني مرن يمكّن المقاولات من التكيّف مع التطورات التقنية، ويضمن في الوقت ذاته حماية حقوق العاملين.

لقد شكل هذا التوجه خطوة مهمة نحو بناء سوق شغل أكثر مرونة، وأكثر قدرة على احتواء الطاقات الصاعدة وتوجيهها نحو القطاعات الواعدة، من برمجيات وخدمات رقمية وأمن سيبراني واقتصاد الإبداع.

تعدّ ورشة الحماية الاجتماعية أحد أهم إنجازات الحكومة في السنوات الأخيرة. فقد شهد المغرب تعميم التأمين الإجباري عن المرض ليشمل ملايين الأسر التي كانت خارج المنظومة الصحية الرسمية. وقد جرى تعزيز الميزانية المخصصة للقطاع الصحي بشكل غير مسبوق، مما سمح بتأهيل المستشفيات، وتحسين ظروف اشتغال الأطر الطبية، وتوسيع الولوج إلى الخدمات.

أصبح النظام الصحي اليوم أكثر شمولية، وأكثر قدرة على الاستجابة للحاجيات، بفضل سياسة حكومية تستند إلى رؤية اجتماعية تحمي الطبقات الهشة وتمنح المواطن إحساسًا أوضح بالأمان الصحي.

لم يكن إصلاح التعليم غائبًا عن أجندة الحكومة، بل كان واحدًا من أعمدة برنامجها الاستراتيجي. فقد انطلقت مشاريع تستهدف الجودة والإنصاف، مثل مدارس الريادة، والمدرسة الدامجة، والمدرسة المواكِبة للطفل في وضعيته الخاصة، إلى جانب تطوير مناهج التكوين المهني وربطها بسوق الشغل.

وقد تواصل العمل على إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، عبر تحسين ظروف التعلم، وتوفير موارد بيداغوجية حديثة، وتشجيع الرقمنة في التعليم. وتم التركيز أيضًا على الحد من الهدر المدرسي عبر مقاربات جديدة تستجيب للتحولات الاجتماعية والاقتصادية.

أطلقت الحكومة ورشًا واسعًا لإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية بهدف تحسين الأداء وترشيد النفقات، مع جعل هذه المؤسسات رافعة للتنمية بدل أن تكون عبئًا على الميزانية. وشمل هذا الورش إعادة هيكلة عدد من المؤسسات وإدماج بعضها، في إطار رؤية تضمن الفعالية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

كما تم تعزيز الرقمنة داخل الإدارة العمومية بهدف تبسيط المساطر وتقليل الاحتكاك المباشر بين المرتفق والإدارة، وهو ما ساهم في محاربة البيروقراطية وتقوية الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

تعكس السياسات الحكومية رؤية طويلة المدى تجعل من المغرب دولة تسير نحو المستقبل بثقة، من خلال اقتصاد متنوع، وحماية اجتماعية موسعة، ومؤسسات قوية، واستثمار في الرأسمال البشري. ورغم التحديات التي لا تزال قائمة — مثل تحسين مؤشرات التشغيل والحد من الفوارق الجهوية — فإن المسار العام يدل على دينامية إصلاحية واضحة المعالم، ترتكز على إرادة سياسية وعلى توازن دقيق بين الضرورات الاقتصادية والانتظارات الاجتماعية.

خاتمة

إن حصيلة الحكومة المغربية خلال الفترة الأخيرة تعبّر عن جهد إصلاحي ملموس، وعن توجه استراتيجي يضع المواطن في قلب السياسات العمومية. وقد نجحت الحكومة، رغم صعوبة السياق الدولي، في الحفاظ على استقرار الاقتصاد، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وتحديث الإدارة.
ومع استمرار هذه الأوراش، يبدو أن المغرب يسير نحو مرحلة جديدة من التنمية المستدامة، قائمة على العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي، مع حضور قوي لرؤية إصلاحية تستشرف المستقبل بعينين مفتوحتين على التحول العالمي.


0 التعليقات: