الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أغسطس 15، 2015

مقتطف من رواية (زمن العودة إلى واحة الأسياد) التي صدرت سنة 2010

مقتطف من رواية (زمن العودة إلى واحة الأسياد) التي صدرت سنة 2010
هذه المتاهة الجميلة والمتفردة ..السحيقة .. كانت منذ أمد بعيد تركن في ثنايا ملغزة ماأزال أجهل انتماآتها الحقيقية ، كل ماأعلمه أنها زارتني ذات لحظة متلبسة بكل الألوان والأبعاد والسبل العنيدة التي قطعتها وحيدا مع الملائكة تارة والشياطين تارة أخرى...
كم يلزمني من الوقت كي أعبرهذا الزقاق من جديد ،إن مسافته أمامي لا تتعدى بضع عشرات من الأمتار ، ومع ذلك أخاله عميقا بمسافة نهرلاتنتهي .. بل حين أرقبه من كوة الجدارالمرتجلة في الأعلى ، يبدو هو الزمن كله .. ولكم تغبط نفسي نفسي كثيرا.. على هذا اللإحساس الباطني وأنا أنظرإلى الزقاق القديم يرفل في مسافته الأسطورية .. في امتلائه الباذخ...
من هنا بدأت ذات زمن ومن هنا قررت أن تكون البداية الآن ...
والآن أشعرأن دوامة يمورفي قامتها ضوء قيامي يغشي الأبصار.. مثل نافورة نورانية تتموج كي تنهمرباتجاهي لتجرفني إلى الداخل .. إلى متاهة الحكي , إلى حيث يدري القارئ وقد لا يدري السارد ...
كأن صوتا خافتا يستدرجني ... فمددت يدي ، ثم انغمس دراعي  ثم خطوت في توجس ، فإذا بصعقة مغناطسية تشفط جسمي كله إلى أحشاء النورالقيامي ، وكانت البداية محروسة بليل أغسطس ، تحت حلقة قرميدية .. انخرمت ذات شتاء حيث كان بالإمكان أن أرى زرقة السماء  يسقط من خلالها نورالصيف أورذاذ الشتاءات أومروق بعض طيور(أم حسون ) القادمة من قاراتها المجهولة ، ولكم كنت أطمع في ملاحقتها ومصداقة تغريدات مناقيرها الصفراء  ...
لقد سمعت النداءات في قرارتي مرات عديدة ، كانت في كل مرة ترجني ، تلطمني بقوة كأنما بقدح ماء بارد ، وكنت أتوقف كي أرنوأمامي إلى المسافة التي تتزيى بالسراب ، و كنت أشعركأنني قاهرلكل المسافات بل صارت هذه المسافات الإمتداد الطبيعي لجسدي .
حين كنت أرفع عيني أرى إطاراللوحة فاغرا فاه في كل النظرات الممهورة بالحسرة ، وكنت أتخيل تلك الدمعة المتلألئة تنزلق في توأدة على خد الطفل لتبوح بما يعتمل في النفس من مرارة . كنت دائما ألوم الجدارالمقابل للسداري عن خيانته وكنت دائما أسأله عن تلك اليد المتلفعة بغبارالسفر.. اليد التي دست اللوحة في حقيبتها بكل هدوء وانتشاء .. وغادرت المكان إلى غير رجعة ...
ــ اخرس ياعثمان ، ماذا كنت ستفعل بلوحة قديمة !!؟ هل كنت ستبيعها في البزارات مثل التحفة النادرة ؟!
كنت أنتفض ، أصرخ وأدك الأرض يقدمي وأضرب الجداربقبضاتي وأنا أصرخ بأعلى صوتي ( لقد كانت هنا مطمئنة وآمنة في هذا المكان وعلى هذا المشجب ، فمن أوعزلرحال أن يقدمها للأهالي علامة دامغة على علاقة سلالية وشرعية ؟ا)
وكثيرا ما كنت أتساءل هل كان بالإمكان أن أعثرعليها هنالك بعد رحلة قد لاتبدوآمنة في أغوارالمفازات والعواصف المزمجرة ..
ـــ ( حقا لقد كانت لوحتك رائعة ) هكذا كانت تهمس لي أمي كلما لاحظت تلك الغيمة من الحزن في عيناي ، وكعادتها كانت تربت على كتفي وتضمني إلى صدرها الرؤوم وأخيرا تعدني بأن والدي سيعمل كلما في وسعه كي يسترجعها حين تتواأم الظروف لذلك .. ولم أكن لأثق بكلامها إذ كنت أعتبراستغفالها في ضياع اللوحة مثلما تتحلل أم من وليدها في منعطف ما بالمدينة...

 ولكم كنت أغبط كل الذين عبروا من هذه الباب وخرجوا منها من دون أن يرنوا إلى هذا الجدارالذي مازال يتذكرلوحة كانت كالقلادة على صدره .. أولائك الذين تواطؤوا على اقتراف جرمهم وأنا لم أع بعد معنى أن يكون للإنسان لوحة بحجم هالة كل الماضي ، تختزل كل أبجدية الإنتماء ، وكل تشكلات الجذور وعشق أصول البدايات...

0 التعليقات: