الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، أغسطس 18، 2015

الأدب والرقمية ، أية علاقة ؟ توليفة ترجمها بتصرف : عبده حقي

الأدب والرقمية ، أية علاقة ؟ توليفة ترجمها بتصرف : عبده حقي
الأدب كالنت   ليس بينهما ولم تعد بينهما حدود . فكما أن للنت دورا أساسيا في تقريب المجموعات ذات الإهتمامات المتقاربة فإن الأدب أيضا وكل مهتم بالمجال الأدبي صار يسهم بشكل أو بآخر في إشعاع شخصيته ومجموعته التي ينتمي إليها .
يمكن اعتبار سنة 1971 هي التاريخ الحقيقي لأول علاقة فعلية بين الأدب و النت ، فقد كانت سنة إطلاق مشروع ( كوتنبرغ) من طرف ( مايكل هارت ) وتجب الإشارة إلى أن أول موقع على النت قدم للأنترنوت موضوعا للقراءة كان موقعا أدبيا و كان هدفه المحوري هو وضع الأعمال الأدبية بين أيدي أكبر عدد من القراء و واكب هذا المشروع العديد من الأجيال المهتمة بمجال المكتبات وصار أيضا قابلا للتنفيذ بفضل التطور الذي حصل في ميدان رقمنة الكتب التي صار بالإمكان تصفحها بواسطة جميع النظم المعلوماتية .
وفي أواسط 1990 عندما اتسعت شبكة النت وتعمم استعماله أكثر من ذي قبل صار للمشروع نفسا آخر وإشعاعا عالميا واسعا .
وبموازاة مع ذلك ومنذ سنة 1993 وضع ( جان مارك أوكيربلوم ) ( ريبيرتوارا) للعديد من الإنتاجات الأدبية على موقع ( أون لاين بوك بيدج ) The online book page ) ) ثم انطلقت جماعات البحث الفرنكفونية ووضعت أولى مكتباتها الرقمية بمبادرة من ( أوليفيي بوجروس ) وهكذا تطورت قواعد المعطيات ونسوق هنا على سبيل المثال لا الحصر ( روبريك . أ . باك ) وهو موقع أطلق سنة 1998 بمبادرة من ( جيرار فوريستيي ) موجه أساسا لتلاميذ الصف الدراسي الثانوي ، وبفضل التقدم الرقمي أمكن الوصول إلى شبكة الآداب وظهر هذا من خلال مبادرة قامت بها جمعية ( بوكس هير ) التي أطلقت موقعها في فبراير من سنة 2002 وبذلك وجدت الكثير من الأجناس الأدبية موقعها على شبكة العنكبوت النتية .
لقد جعلت الشبكة العنكبوتية الكتاب يحلمون بإنشاء مواقعهم الخاصة على النت . وخلافا لبعض الفنون كالنحت والتشكيل التي تقوم جمالياتها وتلقيها أساسا على السند المادي ويفترض أن تعرض كأعمال فنية في الصالونات والمطاعم وقاعات الإستشفاء والأبناك .. إلخ فإن الموضوع الأدبي لا يصبح عملا أدبيا ، أثرا ــ كتابا ــ إلا إذا مر بمعامل الطبع ؛ غير أن الكثير من الناشرين تراجعوا منذ زمن بعيد عن القيام بدورهم كمنقبين عن المواهب الجديدة ؛ مما كان سببا في تعزيز وتضخيم قوتهم في عالم الأدب وقد كان لهذا الأمر دورا مهما في انخفاض وتيرة النشر في السنين العشر الأخيرة حيث صار الأدباء يكتبون تحت طلب الناشر وليس لعالم وذائقة الأدب المفتوح واليوم يمكننا أن نتساءل ككتاب عرب عن المساحة الإفتراضية التي باتت تحتلها الإنتاجات الأدبية والمواد الفكرية في قارة النت . وفي غياب إحصاءات مضبوطة يمكن أن تمدنا بها بعض الجهات الرئيسة ذات العلاقة الوثيقة بالمجال كاتحاد كتاب الأنترنت العرب  ( Arab union for internet writers ) أو منتدى الكتاب العربي  ( Arab world books )أو الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب  ( wata)فإننا لايمكن أن نعرف حجم الرقعة الإفتراضية التي تشغلها الآداب العربية على خارطة النت العالمية ، أما فيما يخص بعض الآداب الأجنبية الأنجليزية والفرنسية على الخصوص باعتبارهما رائدتا الإنتشار في عالم النت فالمكتبة الرقمية الفرنسية الوطنية كانت تضم قبل أربع سنوات ما يناهز 54000 عملا أدبيا و450 دورية و80000 صورة تمتد مسافتها الزمنية من العصر الوسيط إلى حدود القرن العشرين ، ويفترض أن تكون قد تضاعفت هذه الأرقام لعدة اعتبارات من بينها ارتفاع القدرة الشرائية ورحابة الديموقراطية المعرفية وتداولها على شبكة النت في مختلف المرافق التعليمية والإدارية والترفيهية ومما يلاحظه المهتمون في مجال النشر الرقمي هو ضآلة وشح الإنتاج الأنترنيتي في مطلع الألفية الثالثة لأسباب تتعلق أساسا بحقوق النشرولازالت إلى اليوم المعركة مضطرمة بين جماعات الأبحاث الجامعية ودور النشر من أجل تمتيع الطلبة والباحثين والمهتمين وتمكينهم من الوصول إلى ذخائر المكتبات الرقمية واستثمارها مجانيا لكن بشروط تتلاءم والوضع الجديد الذي خلقه عالم النت وقد كان هذا من ضمن توصيات المؤتمر العربي الأول للثقافة الرقمية الذي انعقد في آذارالماضي بالجماهيرية الليبية والذي دعى إلى ( تكوين مكتبة عربية رقمية تحوي المنتج الثقافي والإبداعي العربي الذي انتقلت ملكيته إلى المجال العمومي وذلك في أفق إنشاء خزانة رقمية في مستوى المكتبات العالمية ).
لقد نالت الآداب الكلاسيكية حظها الوافر من النشر الإلكتروني كما أشرنا إلى ذلك سالفا غير أن الآداب الرقمية الحديثة في مستهل هذه الألفية لم تلق هي أيضا نفس اليسر للمرور إلى شاشة النت وتحت عيون المتلقين فمنذ سنة 1998 ظهرت العديد من الأجناس الأدبية الرقمية الحديثة : كتابة متعددة الوسائط ، كتابة ترابطية ، رواية ذات وسائط المتعددة ، روايات المايل ... بعض الكتاب جربوا ولازال الآخرون يجربون الإمكانات التي توفرها الروابط وانغمروا في تجربة كتابة المسلسلات عبر البريد الإلكتروني وكمثال على ذلك نسوق تجربة ( جان بيير بالب) ، الكاتب والباحث والمنظر للآداب الرقمية ومدير شعبة تعدد الوسائط في جامعة باريس الثامنة . فقد كتب لمدة مئة يوم ماسمي ب ( رواية المايل ) وهي عبارة عن يوميات كان يرسلها لعائلته وأصدقائه وزملائه ، وقد أدرج فيها أيضا أجوبة وردود فعل القراء . هذه التجربة تؤكد بدون شك بأن التقنولوجيا الرقمية هي عصا سحرية من أجل تجديد وتحديث وتطوير المادة الأدبية .
إن كتاب ( الميلتي ميديا ) و( الإبيرميديا ) يلعبون اليوم دورا أساسيا في تجديد الآداب ونشر كتاباتهم في أشكال جمالية حديثة ( رسوم رابطة ، صور فوتوغرافية ، مقاطع موسيقية ، فيديو ... ) ويقوم الدور اليوم على المكتبات كي لا تهمل أو تسترخص هذه النقلة النوعية الجديدة في الإبداع الأدبي الرقمي ؛ فإذا كان هدفها هو النشر المجاني للمعرفة المتراكمة عبرقرون ، فإن المكتبات الرقمية يمكنها احتضان هؤلاء الكتاب الجدد القادمين من كواكب وآفاق النت الرحبة والذين باتوا يتحملون مسؤولية عسيرة وحضارية بين جمهور مرتاب وضوابط نشر غير مرنة ، وعلينا أن نبحث عن فضاءات عرض افتراضية تمكن من التعريف بهذه الأبداعات الرقمية المتعددة الوسائط والروابط .
إن ( النت ) لاماضي له إذا ما قورن بآليات النشرالتقليدية وكل ما يقدمه وينتجه الكتاب الأنترنوت ليس باستطاعته أن يتطور مقارنة مع تقاليد أدبية راسخة وقديمة . وعلينا أن نعرف أن إطلاق أي عمل أدبي رقمي على النت ) إنما يشبه إطلاق رسالة داخل زجاجة في البحر

0 التعليقات: