ايمكن إعتبارأن تاريخ الترجمة قد إنطلق مع إنهيار قلعة بابل العراقية التي كانت تمثل رمزا للوحدة للغوية الكونية . وليس هناك أدنى شك في أن للترجمة جذورا عميقة جدا في تاريخ الإنسانية . ونعتقد أنها قد ظهرت كحاجة وضرورة براغماتية بالأساس كلما كان تحتم التواصل كتابة بين شعبين أوأمتين تختلفتان في اللغة وفي مكونات الهوية بشكل عام .
هناك العديد من الأدلة والبراهين التاريخية والأركيولوجية على وجود مهنة المترجم عند المصريين القدامى نحو 3000 سنة قبل الميلاد ، فقد تم العثورعلى أساطير وألواح قديمة تشتمل على قواعد في النحو وقواميس بلغات مختلفة وقد كان الكتبة هم من يقومون بهذه المهمة في إطارأعمال إدارية .
كان الإنجيل على الأرجح هو أول كتاب تمت ترجمته ، ففي حوالي سنة 385 بعد الميلاد كلف البابا داماس القس سان جيروم بمهمة إعداد ترجمة لاتينية للكتاب المقدس . وهكذا رحل القس سان جيروم في سفرة إلى بيت لحم وهناك إشتغل على ترجمة الإنجيل إنطلاقا من نصوص عبرية ويونانية إلى أن وافته المنية سنة 420 بعد الميلاد .
وقد اعتبرت ترجمته التي عنونها ( فولغات ) من أدق الترجمات الإنجيلية ، كما أنه قد تم تتويجه والإحتفاء به كرائد للمترجمين القساوسة .
وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 632 م عرف الإسلام إنتشارا واسعا في جميع أنحاء العالم ، وأصبح العرب أسياد العلم والمعرفة في الشرق الهندي والغرب الأوروبي ،
كما تجب الإشارة إلى أن العديد من المخطوطات والكتب العلمية الغربية قد أتلفتها الهجمات ( البربرية ) على العاصمة روما ولم تبق سوى القليل منها بالعاصمة الإغريقية بيزانس (
BYZANCE ) . وبدافع النهم المعرفي والعطش العلمي قام العرب بترجمة المخطوطات اليونانية والرومانية وأضافوا إليها علومهم الخاصة ، كما عملوا على تأسيس مدارس ودور للترجمة بكل من بغداد وقرطبة ، وبفضلهم تم الحفاظ على الموروث العلمي والمعرفي الإنساني القديم برمته وحموه من هجمات جيوش البربرالسكندينافيين وفي القرن الثاني عشرالميلادي إسترجع المسيحيون الأندلس وخصوصا مدينة قرطبة عاصمة الإشعاع العلمي والأدبي وتمكنوا من الإطلاع على الذخائرالعلمية الإسلامية هناك ثم قاموا من جانبهم بفتح مدارس ومراكز للترجمة إرتادها الطلاب من جميع أنحاء أوروبا والعالم أجمع .
وانتقلت مهنة الترجمة من اللغة العربية واليونانية إلى اللغة اللاتينية ثم إلى اللغات الحية الخاصة بكل بلد . وقد قام الرهبان والقساوسة بدورهام جدا في هذا المجال كمترجمين ونساخا .
إن إكتشاف الإرث الفلسفي الإغريقي وظهورالمطبعة قد شكل تطورا لافتا في ميدان الترجمة ما أدى إلى ترجمة أعمال هوميروس وأريسطو وفيرجيل .
ولقد وسم هذا العصربظاهرة العبث والتسيب في أعمال الترجمة إذ عمدت طائفة من المترجمين إلىالبتروالإضافة كيما تتوافق ترجماتهم مع أفكارالعصر السائدة آنذاك وقد سميت هذه الظاهرة ب ( Les bellesinfidèles ) أدت بدورها إلى نشوء ظاهرة أخرى معاكسة سميت ب ( La querelledes
التي سادت ووقفت الند للند ضد أتباع حرية الترجمة من أمثال نيقولا بيرو . modernes et des anciens
وفي هذه الحقبة بالضبط تم إبتداع مفهوم فعل ( ترجم ) ( Traduire ) بدل فعل( Translater ) .
أما عصرا الأنواروالثورة الصناعية فقد وسما بتعدد وانتشار الترجمات التي عمت كل الميادين التقنية والعلمية على الخصوص وهكذا تم طبع العديد من القواميس المفردة اللغة وقواميس
متعددة اللغات والتي اعتبرت قاعدة أساسية لعلم الإشتقاق والإصطلاح ( التيرمينولوجيا )المعاصر.
في سنة 1822 تمكن العالم شومبوليون من فك شفرات الكتابة الهيروغليفية المصرية وترجمتها إلى اللغة الأنجليزية.
ويعتبر القرن العشرين قرن التقدم التكنولوجي وإختراع الحاسوب والمعلوماتية ، وهكذا فرض الكومبيوتر نفسه كآلة أساسية للترجمة وخصوصا الرقمنة ، وقواعد المعطيات والأنترنت كلها مكنت الباحثين في اللغات من الوصول السريع إلى مصادرالإصطلاحات والإشتقاقات اللغوية ما حقق بالفعل ثورة في عالم الترجمة كما فرضت ظاهرة العولمة دورالترجمة كمطلب أساسي في مجالات الإدارة والتجارة العالمية والمعاملات …
إن مهنة المترجم التي إقتصرت فيما سبق على مجال التواصل بين الشعوب قد صار لها منظورجديدوهدف آخرضمن سوق عالمية لامحالة أن الحدود الجغرافية فيها سوف تنمحي منها تدريجيا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق