تعتبر المقاهي الثقافية آلية من بين آليات تحريك عجلة الفعل الثقافي كالندوات والتوقيعات والقراءات النقدية واللقاءات مع الأدباء والمفكرين في مؤسسات الدولة أو ضمن إطارات المجتمع المدني ..إلخ
ومما لاشك فيه أن المقاهي الثقافية قد تعتبر إلى
حدا ما تمردا على الصالونات الثقافية الموصدة في الأوساط البرجوازية المخملية لكونها
نزلت بالفعل الثقافي والمثقف من أبراجه العاجية وجعلته أيقونة من أيقونات الفضاء
العمومي المفتوح على مختلف شرائح المجتمع .
لقد عرف المغرب المقاهي الثقافية منذ القديم في
شكلها التقليدي حيث كانت تعقد المسامرات لإنشاد القصائد الزجلية وغناء طرب الملحون
والقدود الأندلسية وتبادل القفشات السجالية ..إلخ
وإذا كانت المقاهي الثقافية في الغرب تعود تاريخياً إلى
حركة ثقافية في العاصمة فيينا بالنمسا أدت ، منذ القرن 19 ، إلى ازدهار ثقافي في
الفنون والفلسفة ، فإن المغرب الحديث
سواء خلال حقبة الاستعمار أو الاستقلال لم يعرف إنشاء هذه الظاهرة الصحية لعدة
معيقات تتعلق أساسا بتفاقم الأمية وانحسار هامش حرية التعبير في الفضاءات العامة وتبخيس
كل مكون ثقافي غير ذي جذوي في الذهنية السائدة بسبب ذلك الصراع التاريخي الجدلي
بين المثقف والسلطة ..إلخ
هناك العديد من المقاهي الشهيرة في المدن
الكبرى المغربية التي يؤمها المثقفون يوميا فقط لتبادل الأخبار والسكوبات الثقافية
والفنية والنميمات الهامشية وهذه لا يمكن اعتبارها مقاهي ثقافية حيث أن المقاهي
الثقافية الحقيقية تعتبر تحديدا فضاءات عامة لتصريف أنشطة ثقافية حصرية وضمن
مواعيد متفق عليها إما طارئة أو ضمن برنامج سنوي.
تأسست في المغرب منذ سنة 2015 شبكة المقاهي
الثقافية التي اتسعت رقعتها الجغرافية في وقت قياسي لتشمل 28 قرية ومدينة وجلها
مدن هامشية تعاني من الهشاشة الثقافية والاقتصادية . ويجدر الاعتراف بأن هذه الظاهرة
قد أضفت دينامية مائزة على الفعل الثقافي على مختلف مستوياته وخصوصا الأدبية منها ،
ومما أضفى عليها هذه الدينامية هو تعطش جمهور القراء والمتلقين في هذه المدن
الهامشية للاحتكاك عن قرب مع الكاتبات والكتاب وتحطيم هاجس المركزية الثقافية التي
تهيمن عليه المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة ..إلخ
أجل وبكل تأكيد أن شبكة المقاهي الثقافية قد
حققت بعضا من أهدافها في إشاعة الحركية الثقافية في أبرز فضاء عمومي يصرف فيه
المغاربة وقتهم الثالث في الهدر المجاني للزمن ألا وهو المقهى . لكن تبقى هناك عدة
أسئلة معلقة بخصوص واقع المجتمع المدني ككل بالمغرب والكوابح التي يعاني منها على
مستوى احترام البرنامج السنوي وتوفير اللوجيستيك وحاجته إلى الدعم المالي وتصريفه
فيما سيعود عليه بالتطور والعطاء أكثر.
إن جائحة كورونا قد عصفت ببرامج شبكة المقاهي
الثقافية وأجلت أحلامها لعامين ونيف لكنها في المقابل قد عززت تواجدها الافتراضي
على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك ويوتيوب" . وأتمنى أن تسترجع هذه
الشبكة عافيتها في القريب العاجل لتصير رافعة تنهض بالفعل الثقافي في مقاهي القرى
والمدن الهامشية على غرار ما تعرفه المقاهي بالمغرب من حشود في المواعيد الرياضية
وبالخصوص كرة القدم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق