الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أكتوبر 28، 2023

نص سردي "استحمام صوفي" عبده حقي


الاستحمام، دعوة استكشاف خبايا الجسد السائل، حيث تمتد اللانهاية في انعكاسات المرآة المائية.

أتعلم من الشمس،

شاعر السماء هذا،

ترسم على سطح الماء أبياتاً ذهبية،

وأبياتاً فضية في الأمواج الخجولة.

هناك، على ضفة البحيرة الهادئة، تمتزج الأرواح بالأثير، وتتراقص الأفكار كالحوريات تحت الأشعة الطيبة. تخلع الروح ملابسها، وتترك العواطف تطفو على السطح، عارية وغير محتشمة، ومكشوفة للكون.

التأملات، هذه القصائد السائلة، تمتزج ، لتخلق لوحات تجريدية نقية. تمتد السماء فيها، وتضيع الغيوم في التأملات، وتصبح الطيور استعارات لقصيدة لا نهاية لها.

زنابق الماء، هؤلاء الفنانون قليلو الكلام، يرسمون دوائر من الصمت على القماش المائي. وهم يهمسون بالأسرار في آذان جوقة الضفادع التي تنقل هذه الرسائل إلى القمر في سهراته الليلية.

يصبح استحمامي كيمياء الحواس، وتواصلًا مع العنصر البدائي للحياة. أصبح القصيدة، أنفقد في شعر الأمواج، أجد تجريدي في مرآة الوجود السائل .

وبعد ذلك، عندما تغرب الشمس، تاركة السماء مشوبة بظلال برتقالية وردية ، يتحول الاستحمام إلى تجربة صوفية. تنعكس النجوم مثل رقائق الماس في الماء الشفيف، ونفقد أنفسنا في تأمل الكون اللامتناهي.

الاستحمام الصوفي فن فقدان الذات من أجل العثور على الذات، وترك النفس تحملها تيارات الحياة الجوانية، والاندماج مع جوهر الوجود. إنه قصيدة بلا كلمات، تجربة تلقائية لجمال العالم.

لذا انغمس في مياه الاستحمام الصوفي العميق، واستسلم لسحر التأملات، ودع روحك تتيه في تعرجات التجريد السائل. هناك ستكتشف عالم مخلوطا من الأحلام والشعر، حيث تتحول الحياة إلى حضن أبدي مع المجهول.

هناك، على حافة اللانهاية، حيث تعانق السماء الأفق ويذوب الأفق بدوره في الأبدية، استيقظت ذات ليل على نداء المحيط. استحمامي الصوفي، مثل تعويذة منقوشة في تقلبات ذهني، قادتني نحو شواطئ العبثية والتلقائية، حيث الأحلام منسوجة في خيوط الزمن.

الرمال الناعمة والدافئة تحت قدمي العاريتين، امتدت على مدى البصر، قطعة ثوب بيضاء اختلطت فيها بصمات قدري مع الأمواج المتقلبة. دخلت إلى الماء، وكانت قبلة المحيط العذبة والمالحة تداعب بشرتي، وتمحو حدود وعيي.

فجأة، ارتفع سرب من الأسماك الطائرة من بطون الأمواج، وترقص في الهواء مثل الأرواح التي خرجت من سجنها السائل. أشرقت حراشفها بوهج غير حقيقي، ولامست أجنحتها الشفافة الحدود بين الحلم والحقيقة. هل كان سراباً؟ أو ربما إجابة لأسئلة لم أطرحها بعد؟

شكلت انعكاسات الشمس على الماء مشهدًا من الألوان القزحية، ورقصًا سماويًا يحوم حولي. تحولت الغيوم إلى مخلوقات غرائبية، أوهام سريعة الزوال، تهمس لروحي بأسرار لا يمكن فهمها.

وبينما كنت أطفو، حملتني الأمواج إلى زوبعة من الأفكار والذكريات والعواطف. رأيت وجوهًا كنت قد نسيتها ولحظات ظننتها ضاعت إلى الأبد. لقد أصبح ماضيي فسيفساء من الأحاسيس، ولغزًا مجردًا في حياتي.

فجأة ظهرت حورية البحر وهي تصعد من أعماق المحيط. كان شعرها المنسدل أزرق داكنا ، مثل شفق كوكب بعيد. قرأت لي شعرًا نثريًا للحظة الحاضرة، حيث استعصت الكلمات .

تركت قصيدتها تنجرف بعيدًا، وتتبدد أفكاري مثل فقاعات الصابون في الهواء المالح. لقد كنت معلقًا بين العوالم، بين المعلوم والمجهول. استحمامي الصوفي، الشعار الذي رسم طريقي، وجد صدى له في لا نهاية الضفاف.

عندما اختفت حورية البحر تحت الماء المالح، وأخذت سحرها معها، عدت إلى الشاطئ وقدماي مثقلتان بالملح ودقيق الزجاج. لقد كان استحمامي مغامرة غامضة، واستكشاف لأعمق خبايا جوانيتي وطهري.

والآن، وأنا أحدق في الأفق اللامتناهي، أتساءل عما إذا كان استحمامي الصوفي هذا حلمًا، أو وهمًا، أو ربما حقيقة أعمق من الواقع نفسه. إنه، رحلة إلى أسرار الروح، لا تزال ترشدني، وتذكرني بأن الشعر بحث دائم عن المعنى والجمال.

استحمامي الصوفي ،

تحت الشمس الحارقة،

في الماء الصافي، أغوص وأغني.

تغمرني الأمواج اللطيفة بحنان

جنة مائية، لحظة ساحرة.

 

الرمال الذهبية تحت قدمي،

ناعمة جدًا،

فجأة أنسى العالم الخارجي.

صرخات طيور النورس،

البحر الذي لا نهاية له،

أشعر أنني على قيد الحياة،

أشعر أنني محظوظ.

 

وأشعة الشمس تداعب جسدي

نسيم البحر يغلفني،

يهمس لي بالكلمات.

استحمامي الصوفي،

لحظة من الاسترخاء التام،

نسيان الهموم،

والروح في إجازة.

 

تمتد زرقة المحيط على مد البصر،

الآفاق البعيدة،

أراها،

أريدها.

استحمامي الصوفي،

هروب،

حيث المحيط وأنا، معًا،

نضحك على الروتين الدرن .

في دوامة اللازوردية اللطيفة، أستحم، وتهرب أفكاري إلى دفقات النجوم.

استحمامي الصوفي،

جذبة لا نهاية لها،

سيمفونية مائية في مجردة الروح.

تغمرني أمواج المياه العذبة مثل الكلمات الصامتة، والأحلام التي لا توصف تتلاشى في اللون الأزرق. تتراقص انعكاسات القمر على جلدي، مثل قصائد سرية تهمس بها النجوم.

تنشأ فقاعات الهواء، مثل الذكريات المنسية، تنهيدات الماضي التي ترتفع إلى السطح. يضيع ذهني في هذه المرآة السائلة، واقع ضبابي ومؤثر، حيث لم يعد للوقت أي معنى.

سمكتي، مثل كائنات مجردة، ترافقني في هذه الرحلة التي تشبه الحلم. تمتزج صورهم الظلالية الغامضة مع الظلال، مما يخلق لوحة حية من الأشكال المتغيرة باستمرار.

تمتزج الأحلام بالواقع، مثل الألوان في لوحة لا نهائية. يصبح استحمامي الصوفي لوحة تجريدية حيث كل قطرة عبارة عن نغمة موسيقية، وكل موجة هي عاطفة خالصة.

تندمج السماء بالماء، وتتلاشى حدود الوجود. يصبح استحمامي استعارة للروح، ورحلة إلى عالم غير واقعي، حيث تلتقي الكلمات بالماء لتخلق شعرًا عميقًا وصوفيًا.

0 التعليقات: