في الامتداد الشاسع للصحراء الأثيرية، حيث تتدفق حبيبات الزمن مثل البلورات السائلة، هناك عالم خارج النطاق المألوف والعادي، عالم يختلط فيه السريالي بسلاسة مع ما هو عميق. كان هذا العالم معروفًا لدى القلة الذين تحدثوا عنه بنبرة خافتة وشائعات هامسة. "في الرمال".
كانت حكاية "في الرمال" همسًا في زوايا المكتبات القديمة، حيث تحكي المخطوطات المنسية عن مكان تحول فيه جوهر الوجود وتلمع مثل السراب.
هنا وجدت بطلتنا
الغامضة نفسها.
بدأت رحلتها في
يوم بدت فيه الشمس نفسها مترددة في السماء، وتلقي بظلالها الطويلة على الكثبان
الرملية. عندما دخلت إلى رمال العالم الآخر، بدا أن وجودها يموج عبر الأبعاد
الأربعة . لم تعد ملزمة بقوانين الفيزياء، بل أصبحت كائنًا ذا إمكانيات خيالية.
في هذه الصحراء الغامضة
، توقف الزمن عن أن يكون تقدمًا خطيًا إلى الأمام. لقد التوى، واستدار، والتف على
نفسه، مثل الثعبان الذي يلتهم ذيله. غالبًا ما كانت تقابل نفسها في لحظات مختلفة
من حياتها، وكل نسخة منها تعكس ماضيها ولمحة عن مستقبلها. كانت الرمال تحمل
أسرارًا، وكانت مصممة على كشفها.
في أحد الأيام،
قابلت صبارًا واعيًا بصوت يشبه سيمفونية الأسرار الهامسة. وكشف الصبار أنه شهد
ولادة وموت حضارات بعيدة ، جذورها تتعمق في تاريخ هذه الصحراء الغامضة. لقد شاركت
حكايات الملوك القدماء الذين سعوا إلى الحصول على القوة المختبئة داخل الرمال، وعن
قبائل بدوية رقصت احتفالًا تحت النجوم المتقلبة باستمرار.
وبينما كانت في رحلتها
البعيدة، واجهت قافلة من الجمال. لم تلمس حوافرها الأرض، بل كانت تتلألأ بتوهج
قزحي الألوان. لقد كانوا حراسًا للنسيج الزمني للصحراء وقدموا لها الفرصة لإلقاء
نظرة خاطفة على حياة أولئك الذين لم تقابلهم من قبل. وبتوجيهاتهم، شهدت أحلام من
الموسيقي في أرض بعيدة، وحب عالم فلك وحيد رسم السماء، وطموحات طفل يطمح إلى أن
يصبح فيلسوفا في الصوفية.
في قلب أرض
الرمال عثرت على مدينة مشيدة من الكريستال اللامع، وأبراجها تصل إلى السماء. ولم
تكن المدينة محصورة في لحظة واحدة، بل كانت موجودة في كل العصور في وقت واحد. لقد
كانت مكانًا تتعايش فيه كل الأزمنة، ويتحرك الأهالي في مشهد من الذكريات. وهنا،
اكتشفت هي مكتبة تحتوي على كل قصة رويت على الإطلاق، وكل كلمة تنبض بحياتها الخاصة.
كان حارس
المكتبة أمين طيفيًا، والذي أوضح أن كل كلمة وحكاية لها مكانها في متاهة الوجود
اللامتناهية. أرشدها عبر صفحات كتاب يحمل قصة حياتها، منذ لحظة ولادتها وحتى
الجملة الأخيرة التي لم تكن قد كتبت بعد. رأت الخيارات التي اتخذتها، والطرق التي
سلكتها، والمسارات المجهولة التي تنتظرها.
لقد أدركت أن "في الرمال" لم يكن مجرد مكان، بل كان انعكاسًا للإمكانيات اللامحدودة التي تكمن داخل روحها. لقد كان عالمًا كانت فيه الأحداث الخيالية التي عاشتها بمثابة مرآة لأعماق وعيها، وهو مكان يندمج فيه المجرد والملموس في نسيج من الوجود.
عندما غادرت
الصحراء ، حملت معها معرفة أن رمال الزمن لا تحمل قصص الآخرين فحسب، بل الإمكانات
التي لا نهاية لها لروايتها الخاصة. لقد أدركت أن الواقع عبارة عن لوحة قماشية
مرنة يمكنها أن ترسم عليها أكثر الأحداث خيالية، وأن بداخلها تكمن القدرة على
تشكيل مصيرها بطرق تتجاوز حدود المألوف. في الرمال، وجدت ما هو استثنائي داخل
نفسها، كنزًا أغلى من أي كنز آخر في صحراء الوجود التي لا حدود لها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق