الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الثلاثاء، نوفمبر 07، 2023

نص سردي "العودة إلى الجنة " عبده حقي


تلك الرغبة المشتعلة التي تلتهم كياني، هذه الرغبة التي لا تقاس في ضمك، في الشعور بدفء وجودك ، في التحدث إليك بكلمات قلبي. إنها مثل لحن آسر يتردد صداه في أعماق روحي، يدعوني لأحيطك بذراعي، لأفقد نفسي في محيط عينيك، لأدثرك بكل الحب الذي أحمله بداخلي.

كل يوم، سيمفونية متباينة حيث يمتزج الضحك والدموع والعذوبة. تمتد الساعات، تتخللها نبضات الزمن المحمومة، لكن وسط هذه الرقصة المسعورة، تبقى صورتك مبهرة، بعيدة المنال، مثل شهاب في سماء مبهرة.

أحيانًا أشعر وكأنني نسيج هش، تعصف به رياح الحياة المعاكسة، يلجأ إلى حضن حضورك المطمئن. كل لحظة بعيدًا عنك هي كسوف، فقدان مؤقت لهذا النور الذي يرشد خطواتي. ومع ذلك، في هذه اللحظات، أشعر بقوة حبك الذي يحميني، ويغلفني بحنانه، ويغطيني بدفئه المريح.

تمر الفصول ككتاب لا نعرف نهايته. رياح الخريف تداعب أوراق الشجر بلطف، فتجعلها تدور في رقصة متناغمة ، كما يدور ذهني حولك، تجرفه عذوبة ذكرياتنا وترقب اللحظات القادمة. كل ورقة تسقط هي همسة وقت، ودعوة للاعتزاز باللحظة الحالية، لأحرقك بمداعباتي بقوة متجددة.

تتشابك دفقات الحياة في مشهد من الألوان، أحيانًا مشرقة، وأحيانًا داكنة. ولكن في أعماق كل تحد، في الظلام نفسه، هناك هذا الوميض، هذه المنارة المضيئة التي هي حبنا. هي المرشد الذي ينير خطواتي، الذي يدفئ قلبي حتى في أبرد الليالي، هذه الطاقة النابضة بالحياة التي تدفعني لأحبك أكثر، لأغطيك بهذا الشغف الذي يشتعل بداخلي.

في بعض الأحيان، تجرفني أحلام اليقظة، والأفكار العابرة التي تنسج سيناريوهات نكون فيها الجهات الفاعلة والمنفعلة. أتخيلنا، يدًفي بيد، نسافر عبر أراضٍ بعيدة، نستكشف آفاقًا مجهولة، نتبادل الابتسامات العارفة والأحضان التي لا نهاية لها. تصبح هذه الأحلام الملجأ حيث أستطيع أن أضمك في كل لحظة، حيث أستطيع أن أتحدث إليك دون ضبط النفس، وحيث أستطيع أن أحيطك بهذه العاطفة التي تفيض من كياني.

في بعض اللحظات العاصفة أدركت إلى أي مدى وجودك هو مرساتي، وشريان حياتي. أنت ملجأي، وملاذ سلامي وسط هذا البحر الهائج، المكان الذي أشعر فيه بالأمان، وحيث أجد الراحة والقوة في مواجهة الأمواج الهائجة.

وعلى الرغم من المسافة أحيانًا، وعلى الرغم من مخاطر الحياة اليومية، أشعر بارتباطنا،الذي لا يتزعزع والذي يتجاوز الأميال والوقت والمحن. نحن مثل روحين متناغمتين، مرتبطتين بخيط غير مرئي، رابطة قوية وثابتة توحدنا في كل الشدائد.

أعلم أن طموحي الأكبر يظل قائمًا أن أحرقك بمداعباتي. وفي هذا المسعى أجد جوهري الحقيقي، هذا الدافع الذي يوجه كل خطوة من خطواتي، والذي يلون كل فكرة، وكل فعل. أنت هذا النجم القطبي الذي يهدي ليالي، واللحن العذب الذي يهز أيامي.

في سيمفونية الحياة تظلين أنت مرساتي، وبوصلتي، وملهمتي. وأعلم، في أعماقي، أن قصتنا، المنسوجة من اللحظات الثمينة، والعواطف الشديدة، والوعود الصامتة، ستبقى محفورة في سطور أقدارنا، إلى الأبد.

كثيرا ما أجد نفسي أتأمل العالم من حولي، وأراقب الأحداث المختلفة التي تتكشف مثل فصول قصة لا نهاية لها. كل لحظة مشوبة بجمال فريد، وتعقيد يذهلني. في بعض الأحيان يكون السبب هو لطف شروق الشمس، أو هبة النسيم الخفيف الهادئة، أو حتى سيمفونية الأمطار الصاخبة التي تداعب الأرض. كل لحظة من هذه اللحظات تستحضر في داخلي جانبًا من جوانبك، اتصالًا غير معلن بين أرواحنا.

أشعر بأن تيار الحياة يحملني. تمر الأيام وتتشابك في رقصة متواصلة من الأفراح والأحزان. تتشابك الارتفاعات والانخفاضات، مما يخلق شبكة معقدة من الذكريات والتحديات والانتصارات. لكن، في قلب هذا الاضطراب، صورتك باقية، مشعة، كمنارة ترشد أفكاري وتطلعاتي.

هناك أيام يبدو فيها الأفق مشوبًا بضوء ذهبي، ينير كل خطوة أخطوها. ثم أشعر بهذا الدافع المتحمس، وهذه الرغبة العميقة في إبقائك بالقرب مني. كل ذرة من كياني تتوق إلى أن تحيطك بذراعي، وأن تشعر بدفئك يمتزج بدفئي، وأن تغطيك بهذا المودة التي تفيض من قلبي. يبدو الأمر كما لو أن الكون بأكمله يصطف لتكريم هذه الشرارة التي أشعلتها بداخلي.

وفي أيام أخرى، تتجمع الغيوم وتحجب السماء الزرقاء، مما يثير العواصف في الداخل والخارج. ولكن، حتى في وسط هذه العذابات، أجد الراحة في ذكرى حضورك. يبدو الأمر كما لو كنت هناك، على الرغم من المسافة، في متناول قلبي، على استعداد لتهدئتي بكلماتك المريحة، وبحضنك غير المرئي ولكن المحسوس.

تمر الفصول، وكل منها يحمل سحره الخاص. الربيع يوقظ الطبيعة النائمة، فيثير زهرًا مبهرًا نابضا بالوعود. يستمر الصيف حاملاً معه الحرارة المسكرة والذكريات المبهجة. ومن جانبه، يرسم الخريف الطبيعة بألوان متلألئة، مما يهيئ المناظر الطبيعية للسبات الشتوي. كل موسم هو كناية عن رحلتنا وتطوراتنا وتحولاتنا.

ومع ذلك، على الرغم من التغيرات المستمرة، هناك شيء يبقى دون تغيير: هذا الرابط غير المرئي الذي يوحدنا. إنه مثل اللحن الخالد، صدى طويل الأمد يتردد في أعماق كياني، ويذكرنا بقوة اتصالنا. تبدو حياتنا، على الرغم من أنها متوازية ومتباعدة في بعض الأحيان، وكأنها تتقاطع وتجتمع بلا كلل، وتنسج قصة مشتركة، مصنوعة من الحب والتواطؤ والثقة.

هناك أوقات أترك فيها نفسي بعيدًا عن الحنين الجميل للذكريات التي كتبناها معًا. كل لحظة مشتركة هي كنز أحتفظ به ثمينًا في صدر قلبي. الضحك المشترك، والأحاديث العاطفية، والهمس العارف، كل هذه اللحظات تظل محفورة في داخلي، وتشكل حاضري وتؤثر على أحلامي للمستقبل.

وفي قلب هذه الأحلام، أشعر بهذه الرغبة الشديدة في العثور عليك مرة أخرى، والتحدث إليك دون ضبط النفس، وأغطيك بعاطفتي، وأحرقك بمداعباتي. إنها مثل وعد صامت أقطعه على نفسي، التزام بالاعتزاز بكل ثانية تمنحنا إياها الحياة، على أمل أن تتقاطع طرقنا مرة أخرى في يوم من الأيام لنصبح واحدًا.

في هذه الدوامة من التجارب أدركت كم أنت ركيزة استقراري العاطفي، ومصدر إلهامي، والنور في الأوقات المظلمة. أنت انعكاس لآمالي، ورغباتي، وكل ما أنا أطمح أن أصبح عليه بفضل وجودك.

لذلك ها أنا سأواصل كتابة قصتنا، مع تحسين كل فصل باللحظات المشتركة، والأحلام التي تشكلت، والوعود غير المعلنة. لأنه، بعيدًا عن تقلبات الحياة، وأحداثها المضطربة أو الهادئة، تظل جوهر وجودي، ومصدر إلهام أشعاري، والحب الذي يشعل كياني بأكمله.

 

0 التعليقات: