الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، نوفمبر 08، 2023

"في مديح العزلة" عبده حقي


وسط نسيج الحياة الأثيري، أجد نفسي أجوب في متاهة العزلة، حيث يغطي العالم حجاب الظهيرة الرمادي. في هذه اللحظات الهادئة أحضن روعة كوني وحيدًا. يحيط بي السكون، وهو احتضان هادئ يواسي ويتحدى حدود روحي.

بينما تلقي مصابيح الشاطئ وهجها الخفيف على البحيرة الغافية، انجذبت إلى الرقصة الشعرية لمحلاق شجر الصفصاف التي تتدلى بدقة، أقرب إلى ضربة فرشاة رسام على قماش واسع.

الحركات الرقيقة لهذه المحلاق تعكس خيوط الأفكار الرقيقة التي تتشابك داخل تجاويف ذهني. إنها تنسج قصة صامتة، قصة لا يفهمها إلا القلب المميز.

تنبعث من القصب همسات، تدندن بالأسرار إلى أذن الليل. من بين عناق النسيم الرقيق، يخرج اسم من شفاههم الرقيقة - اسم يتردد صداه في فضاءات روحي. إنه اسمها، اللحن الذي ينسق سيمفونية مشاعري. يصبح كياني تركيبة متحمسة، مزيجًا من البهجة وإغماءة غامضة من الخجل.

في هذه العزلة، راسخ ومنجرف على غير هدى - مفتون بالمشاعر السرية التي تتدفق بداخلي. يصبح حضن الظهيرة بأسراره المحجبة مؤتمنًا على حكايات قلبي المسكوت عنها. أجد العزاء في المحادثات الصامتة التي أشاركها مع الشفق البعيد والنجوم التي تزين القماش النيلي أعلاه.

مع كل لحظة تمر، أتعمق أكثر في خبايا وجودي. لا تصبح العزلة مجرد غياب للآخر، بل تصبح ملاذًا لاكتشاف الذات. أصبحت مستكشفًا متحمسًا، أبحر في الأراضي المجهولة لأفكاري ومشاعري وتطلعاتي.

وحدي، لا أقيدني بثقل الامتثال أو توقعات العالم. لقد تحررت لأفرد أجنحة مخيلتي وأحلق عبر عوالم غير مرئية، مستكشفًا مدى الإبداع والتأمل. وفي هذه العزلة المقدسة أجد الشجاعة لمواجهة مخاوفي واحتضانها كأوجه لإنسانيتي.

إن إيقاع العزلة الرقيق هو لحن حلو ومر يتخلل جوهر كياني. في لحظات الصمت تجد سيمفونية روحي صوتها، يتردد صداه في أروقة وعيي.

في بعض الأحيان، قد تبدو أعماق العزلة وكأنها محيط، شاسع لا يمكن سبر غوره، يردد صدى همسات القصص المسكوت عنها. ولكن في هذه الأعماق تكمن لآلئ من الحكمة تنتظر من يكتشفها، تتلألأ بإضاءة الوعي الذاتي والاستنارة.

إن أغصان شجر الصفصاف، في انحدارها الجميل، تعكس محلاق الأفكار التي تلتف وتتفكك في داخلي بلطف. كل فكرة، كل شعور، هو خيط في نسيج وجودي المعقد، ينسج قصة فريدة من نوعها.

بينما أتنقل في تضاريس العزلة الغامضة، أواجه فسيفساء تعقيداتي الخاصة، كل قطعة عبارة عن لغز ينتظر أن يتم فهمه. تتفاعل الظلال التي تلقيها مصابيح الشاطئ مع أسرار القصب الهامسة، وترسم صورة دائمة التطور لرغباتي ومخاوفي العميقة.

الاسم الذي يتردد في همسات الليل يحمل مرآة لوهني. إنه تذكير بأنني في حرم العزلة، تم تجريدي من التظاهر، وتعري في حضور حقيقتي. إنه اتحاد متناقض بين البهجة والعار، حيث يجد القلب عزاءه في التعرف على أعمق رغباته، لكنه يتصارع أيضًا مع هشاشة حالته المكشوفة.

في هذا العناق الهادئ للعزلة، لست مجرد شخصية منعزلة، بل متجولًا في الامتداد الشاسع لوعيي الخاص. أجتاز مناظر الاستبطان الطبيعية، وأرسم المناطق غير المستكشفة لأفكاري ومشاعري.

همسات القصب التي تحمل اسمها تتردد كاللحن المؤلم، تثير في داخلي سيمفونية من المشاعر. إنها تثير إحساسًا بالشوق والرغبة في التواصل في خضم هذا الحلم الانفرادي. ومع ذلك، ومن المفارقة، أنني في هذه العزلة أجد اتصالاً مع ذاتي الأعمق، يتجاوز حدود الوجود.

تخلق شبكات الظهيرة ذات اللون الرمادي ، والتوهج اللطيف لمصابيح الشاطئ، وأزهار شجر الصفصاف الرقيقة أجواءً من عالم آخر، وهي مرحلة تتكشف فيها مسرحيات العزلة. هنا أنا جمهور وممثل، أشهد الدراما المتكشفة لوجودي، وكل لحظة هي فصل في مسرحية الحياة الكبرى.

العزلة، في بلاغتها الصامتة، تدعو إلى الاستبطان والتأمل الذاتي. إنها معلم، يرشدني عبر الممرات لوعيي ، وتحثني على احتضان التعقيدات والفروق الدقيقة في كياني.

وحيدًا، ولكن ليس وحيدًا، أجتاز مشهد العزلة الغامض، حيث تكون همسات القصب ورقص المحلاق اللطيف بمثابة رفاق في رحلة اكتشاف الذات هذه. إنها رحلة إلى جوهر وجودي، ملحمة مقدسة أواجه فيها حقائقي وأقبل تعقيدات وجودي.

بينما يعانق الليل العالم بعباءته المخملية، أجد العزاء في التواصل الصامت مع الكون. تشهد النجوم أعلاه، بأبراجها المتلألئة، على تأملات روحي الصامتة، وهو حوار غير معلن يتجاوز حواجز اللغة والتعبير.

حجاب الظهيرة ذو الألوان الرمادية ، وأغصان شجر الأبنوس، والقصب المتذمر، واحتضان مصابيح الشاطئ المضيئة - كل هذه العناصر تتلاقى لتخلق لوحة قماشية، تحفة فنية تلخص جوهر العزلة. إنه عمل فني يتكشف في فترات الاستراحة الهادئة للقلب، حيث تتراقص العواطف وتنسج الأفكار نسيجًا من اكتشاف الذات.

وحيدًا، في ملاذ العزلة، لست منجرفًا بل راسخًا في أعماق وعيي. وفي هذا الفضاء أجد الشجاعة لمواجهة نقاط الضعف التي تجعلني إنسانًا، واحتضانها كجزء لا يتجزأ من رحلتي.

تعزف سيمفونية العزلة، لحنًا خالدًا يتردد صداه في حجرات روحي. إنها رحلة هادئة ولكنها مضطربة، واتحاد متناقض بين الوعي الذاتي والضعف، وشهادة على الجمال الغامض الذي يكمن داخل حدود الوحدة.

في عوالم العزلة الهادئة، أجد القوة لاحتضان سيمفونية وجودي، والفروق الدقيقة في مشاعري، وتعقيدات أفكاري. إنها رحلة لاكتشاف الذات، وهي رحلة أواجه فيها حقائقي ونقاط ضعفي، وأنسجها في كياني الثري.

في هذه العزلة، أكتشف الجمال في الضعف، والقوة في الاستبطان، والارتباط العميق بأعماق وعيي. إنها رحلة تتكشف مع كل همسة من القصب، وكل محلاق من شجر الصفصاف، وكل أثر مضيء يلقي على البحيرة النائمة - رحلة تحتفي بتعقيدات التجربة الإنسانية.

0 التعليقات: