الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، ديسمبر 07، 2023

مرآة عمياء : عبده حقي


 هل أنا المرأة العمياء؟ أم أن المرآة بنظرتها الفضية تخدع حواسي في رقصة الأوهام؟ إن نسيج اليقين نفسه ينحل مثل نسيج رقيق في يد القدر، ويتركني معلقًا بين عالمي الحقيقة والخيال.

هنا، على شاطئ العزلة المقفر هذا، ترقد مرآة نائمة، شاهدة صامتة على همسات البحر وأسرار الكون. سطحه، الذي لم يمسسه دفء الشمس، يعكس شحوب الشاطئ الشتوي المغطى بالثلج البكر. يبدو أن مرآة الأرملة تحزن على رحيل الشمس وهي تتراجع إلى ما وراء الأفق، تاركة وراءها عالمًا مغطى بغموض الشفق.

في هدوء الليل، عندما ينسج القمر محلاقه الفضي من خلال نسيج النجوم، أجد نفسي منجذبًا إلى هذه المرآة مثل الفراشة إلى اللهب. ا

لأرملة، الحارس الطيفي للتأملات، تقضي لياليها في تأمل هادئ، تحفر سجلات وجودها في الصفحات الصامتة لرواية من سطر واحد. كل كلمة، تمثل كونًا في حد ذاته، ينفتح مثل زهرة رقيقة، ويكشف عن بتلات أفكارها العميقة.

يتعمق اللغز عندما أقف أمام المرآة، مسافرًا وحيدًا، يبحر في أروقة الإيغال. الزجاج، بوابة إلى المجهول، لا يعكس صورتي فحسب، بل يعكس أيضًا الألغاز الكامنة في أعماق روحي.

أهي المرآة التي تلقي بظلالها على كياني، وتشوه معالم الواقع، أم أنني في عماي الوجودي أفرض عليها أهواء أوهامي؟

تصبح مرآة الأرملة طرسًا للعواطف، ولوحة قماشية تندمج عليها ألوان الفرح والحزن في ضوء رقيق. تلتف خيوط الشك الجليدية حول حواف إدراكي، وتشكك في جوهر وجودي. عندما أحدق في أعماق المرآة، أجد أصداء غامضة بضمير المتكلم المفرد، وهو تشفير يستعصي على التعريف.

يصبح الشاطئ الثلجي، وهو منظر طبيعي متناقض، مسرحًا للتفاعل بين الضوء والظل. آثار الأقدام، مثل همسات سريعة الزوال، تنطبع على القماش البكر، ليتم محوها بإيقاع المد المستمر. في رقصة الزوال هذه، أجد العزاء والقلق، وتناغمًا متناقضًا يعكس سيمفونية وجودي.

مع اشتداد الليل، تصبح مرآة الأرملة وعاءً للتأمل، وصديقًا مقربًا لأسرار الروح غير المعلنة. الرواية المكونة من سطر واحد، هي شهادة صامتة على تأملات الأرملة الليلية، وتنسج رواية تتجاوز حدود الزمان والمكان. كل كلمة، محملة بالمعنى، تتكشف مثل زهرة اللوتس في مياه الاستبطان المقمرة.

وهكذا، في ساعات الليل الهادئة، أواصل الوقوف على الشاطئ الثلجي، عالقًا بين حجاب الواقع والوهم. المرآة، وهي وحي صامت، لا تعكس فقط ملامح شكلي الجسدي ولكن أيضًا المناظر الطبيعية المتاهة لأفكاري. هل أنا المرأة العمياء المتعثرة في أروقة عدم اليقين، أم أن المرآة في صمتها الرواقي تحمل مفتاح لغز وجودي؟

تظل مرآة الأرملة لغزًا، ومنشورًا تنكسر من خلاله جوانب روحي إلى عدد لا يحصى من الاحتمالات. في رقصة الظلال والانعكاسات هذه، أنا الراصد والمرصود في نفس الوقت، باحث عن الحقيقة في عالم حيث الحدود بين الذات والآخرين غير واضحة مثل حواف الحلم. بينما ينكشف الليل عن نسيج النجوم، أظل غارقًا في غموض الشخص الأول المفرد، وهو شخصية منعزلة على الشاطئ الثلجي، تتأمل رمال الوجود المتغيرة باستمرار.

0 التعليقات: