النص الرقمي والمؤلف المفترض: عبده حقي

لقد اتخذت مسألة التأليف وهوية المؤلف بعدًا جديدًا مع ظهور النص الرقمي. فإذا كانت التقنيات الرقمية قد أحدثت ثورة في الطريقة التي ننتج بها النص الأدبي واستهلاكه التفاعل معه، فإنها أثارت أيضًا أسئلة معقدة حول هوية المؤلف وعمله.

في سياق النص الرقمي، تتحدى فكرة المؤلف المزعوم المفهوم التقليدي للمؤلف باعتباره شخصا ماديا يمكن التعرف عليه من خلال عمل أدبي معين. فإذا كانت هوية المؤلف في الأدب الورقي غالبًا ما تكون محددة بوضوح وترتبط بعمل معين، فإن النص الرقمي غالبًا ما يكون نتاجًا لعدد كبير من المتدخلين في عمليات إبداعية تشاركية . وبالتالي، قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تحديد المؤلف المفترض للنص الرقمي بشكل لا لبس فيه.

واحدة من أكثر الخصائص المميزة للنص الرقمي هي طبيعته التشاركية حيث من خلال منصات الإنترنت مثل الويكي والمدونات الإلكترونية والشبكات الاجتماعية، يمكن إنشاء النصوص الرقمية وتحريرها والتعليق عليها من قبل مجموعة واسعة من المتدخلين والقراء، ويساعد كل منهم في تشكيل المحتوى النهائي. إن هذه الطبيعة التعاونية تتحدى فكرة المؤلف كشخص منعزل، وتثير تساؤلات حول الملكية الفكرية والاعتراف بالمساهمة الفردية ضمن نص جماعي.

هناك جانب مهم آخر للتأليف المزعوم في سياق النص الرقمي وهو إخفاء الهوية والأسماء المستعارة. يختار العديد من المؤلفين إخفاء هوياتهم وراء أسماء مستعارة على شبكة الإنترنت، ، مما يزيد من صعوبة تحديد المؤلف الفعلي لنص معين. يمكن استخدام إخفاء الهوية لأغراض الخصوصية، ولكن يمكن أيضًا استغلاله لدوافع أقل جدارة بالثناء، مثل التضليل والتلاعب.

وفي مجال الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغات الطبيعية، يمكن للخوارزميات أيضًا أن تلعب دورًا هاما للغاية في إنشاء النص الرقمي حيث يمكن لأنظمة إنشاء النصوص المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مثل الشبكات العصبية، إنتاج محتوى نصي لا يمكن تمييزه غالبًا عن المحتوى الذي كتبه الإنسان. إن هذا الواقع يثير أسئلة مهمة حول التأليف وكيفية تخصيص السلطة والمسؤولية في سياق قد يكون فيه المؤلف خوارزمية.

في بيئة غالبًا ما يكون فيها التأليف غير واضح وقد يكون النص نتاجًا لتعاون معقد ولامركزي، تصبح مسائل الإسناد والملكية الفكرية ذات أهمية خاصة. كيف بنا نمنح الفضل للنص الرقمي عندما يشارك فيه عدة مساهمين؟ كيف نحمي حقوق الطبع والنشر ونضمن التعويض العادل للمبدعين في مشهد رقمي دائم التغير؟

يمثل النص الرقمي ومؤلفه المفترض مجالًا معقدًا من الكتابة الإبداعية في العصر الرقمي الحديث. ومع استمرار التقنيات الرقمية في تغيير الطريقة التي نتصور بها النص ونشاركه ونستهلكه، فمن الضروري إعادة التفكير في مفاهيمنا التقليدية للتأليف والعمل. ومن خلال إدراك الطبيعة التعاونية والمجهولة في كثير من الأحيان للنص الرقمي، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل التحديات والفرص التي تصاحب هذا التحول نحو ثقافة إبداع أكثر انفتاحًا وتشاركية.

تابع

Posted in: أدب رقمي