الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، أبريل 26، 2024

مكاشفات : (16) عبده حقي

302

"سأكون هناك"، تعهد، وصوته كان مجرد نفس على قماش الصمت. "في أحلك ساعاتك، عندما تهدد الظلال باستهلاك نورك، ابحث عني. سأكون منارة لك، ونجمك المرشد."

303

كان وعده، على الرغم من همسه، قويًا مثل أقوى تعويذة. لقد تسربت إلى نسيج الوجود، وأصبحت جزءًا من السيمفونية الكونية، ونغمًا في العمل العظيم للحياة. لقد كان وعدًا يتحدى الطبيعة العابرة للزمن، ويضحك في وجه الزائل، ويجرؤ على تحدي عدم ثبات كل الأشياء.

304

في متاهة يأسها، حيث ساد الظلام، كان وعده هو النور الوحيد. لقد كانت منارة، منارة في بحر حزنها العاصف، ترشدها نحو شواطئ الأمل. لم يكن وعده مجرد كلمات، بل كان حبل نجاة، أو حبلًا يربطها بعالم الأحياء، ويذكرها بجمال الوجود، وببهجة الوجود.

305

كان وعده همسًا، لكنه كان يزأر بصوت أعلى من أعتى العواصف. لقد كان نذرًا، لكنه كان أكثر من مجرد تعهد. لقد كانت شهادة على حبه، حبًا واسعًا كالكون، خالدًا كالخلود. لقد كان وعده منارة، منارة أشرقت بتألق مليون شمس، تنير طريقها، وترشدها خلال الظلام.

306

في نسيج الحياة الكبير، كان وعده خيطاً من ذهب، ينسج نمطاً من الحب والأمل وسط فوضى الوجود. لقد كان وعداً تخطى حدود الواقع، ورقص على حواف الأحلام، وغازل حدود السريالية.

307

في النهاية، لم يكن وعده مجرد نذر، بل إعلان عن حبه الذي لا يموت. لقد كان وعدًا تردد صداه عبر العصور، ومنارة في أحلك ساعاتها، وشهادة على حب عميق مثل الكون، ودائم مثل الزمن نفسه.

308

في حضن الشفق الصامت، تحرك البيانو، وهو قطعة متراصة من خشب الماهوغوني. كان طلاءه النابض بالحياة في السابق، والذي أصبح الآن باهتًا بفعل الزمن، يهمس بحكايات الفالس المنسية وأغاني الراغتايم الصاخبة. مع صرير يتردد صداه مثل التنهد، مفتاح مكتئب، ملاحظة واحدة وحيدة معلقة في الهواء مثل نسيج العنكبوت المغبر.

309

كانت كل نغمة لاحقة بمثابة خطوة مترددة، لحن يخرج من سبات أعمق من الأحلام. كانت الذكريات، مثل اليراعات المضطربة من سباتها، تطير في جميع أنحاء الغرفة - ضحكة طفل يتردد صداها في المقاييس الرنانة، ولمسة عاشق باقية في أصوات تتابعية باقية.

310

تضخمت الموسيقى، وهددت عاصفة من المشاعر بالانفجار من الآلة القديمة. الفرح، سلسلة من أوتار النصر، ترددت أصداء احتفال منسي. الحزن، رثاء حزين، بكى في نغمات منخفضة مدوية. كل لحن شظية، وكل وتر جزء، والبيانو نسج نسيجًا من الحياة التي عاشها، وأحبها، وفقدها.

311

تحولت الموسيقى، وتحولت إلى الاستبطان. لقد رسم إصبع واحد لحنًا رقيقًا، تهويدة من زمن كانت فيه الهموم همسات وعمالقة ودودين. دارت النغمات، لترسم صورة لنفس شابة، بريئة ومفعمة بالأمل، والعالم عبارة عن سيمفونية تنتظر تأليفها. لكن اللحن تعثر، وظهرت نغمة متنافرة تتنافر مع الانسجام. لقد تدخل الزمن، المايسترو القاسي، مضيفًا طابعه الكئيب الخاص إلى التركيبة.

312

وصل البيانو إلى ذروته، وزوبعة من الصوت هددت بتحطيم الصمت. طرقت المفاتيح بإيقاع محموم، في محاولة يائسة لاستعادة لحظة، ذكرى، حياة انزلقت من بين الأصابع المتلهفة. ومع ذلك، تراجعت الموسيقى فجأة كما بدأت. ملاحظة واحدة باقية معلقة في الهواء، وعلامة استفهام محفورة في الصوت.

313

وفي أعقاب ذلك، عادت الغرفة إلى حالتها النائمة. وقف البيانو، الذي كان مرة أخرى حارسًا رواقيًا للماضي، مغمورًا في الضوء الخافت. ولكن في هذا الهدوء، بقي لحن، وهمس حياة عاشتها، وعزفت سيمفونية من الذكريات، ونغمة واحدة يتردد صداها في غرفة الزمن الواسعة.

314

في الحديقة المنسية، حيث فقد الزمن سيطرته، انتشرت الأزهار في تحدٍ صامت، وهي شهادة على روح الطبيعة الدائمة. وسط الأعمدة المتداعية والأطلال المكسوة باللبلاب، استمرت الحياة، حاكة نسيجها المعقد من الجمال وسط الاضمحلال.

315

كانت كل زهرة همسة أمل، وإعلانًا رقيقًا عن الوجود في وجه الإهمال. بتلاتها، المرسومة بألوان الأحلام المنسية، رقصت على النسيم، وعطرها سيمفونية من المرونة.

316

في ملاذ العزلة هذا، حيث استعادت الأرض سيطرتها، ازدهرت الزهور دون الحاجة إلى أيدي البشر. لقد ازدهروا وسط الفوضى، وحفرت جذورهم عميقًا في التربة الخصبة، واستمدوا قوتهم من بقايا الأيام الماضية.

317

هنا، في هذا الركن المنسي من العالم، استعادت الطبيعة عرشها، وسيطرت على أنقاض حماقة الإنسان. وبينما كانت الشمس تنحدر تحت الأفق، وتلقي بظلالها على الممرات المتضخمة، وقفت الزهور كحراس صامتين، حراس الجنة المنسية.

318

في عالم الأثيري، اشتعلت شرارة. لم تكن شرارة عادية، بل كانت تحمل جوهر الإلهام، شعلة إلهية تتراقص في قلب الراوي. كانت هي، حائكة الحكايات، حالمة الأحلام، هي التي تمسك بالريشة. تحركت يدها بإيقاع خاص بها، مسترشدة بسيمفونية روحها، وكلماتها تتراقص على قماش الرق.

319

"من أعماق كياني أنسج الحكايات"، أعلنت بصوتها لحناً في صمت الخليقة. "قصص تشعل الخيال، وتشعل العقول بالعجب والفضول."

320

لم تكن كلماتها مجرد حروف مربوطة ببعضها البعض، بل كانت كائنات حية تتراقص على الصفحة. كانوا يدورون ويدورون، ويقفزون من الصفحة، وكانت حركاتهم سلسة مثل النهر، ورشيقة مثل الباليه. كانت كل كلمة بمثابة شرارة، نجم صغير أشعل سماء الليل في ذهن القارئ، وأضاء الزوايا المظلمة في خياله.

321

ولم تكن قصصها مجرد روايات، بل كانت عوالم في حد ذاتها. لقد كانت عوالم خيالية، وسريالية، حيث كانت قوانين الواقع عازمة وملتوية حسب أهواء خيالها. رسمت كلماتها مناظر طبيعية حية، واستحضرت كائنات أثيرية، ونسجت حكايات الحب والخسارة، والانتصار واليأس، والدنيوية والساحرة.

322

مع كل ضربة من ريشتها، كانت تبث الحياة في قصصها. كانت كلماتها مثل الشرر، أشعلت شعلة الخيال، وألهبت عقول أولئك الذين تجرأوا على المغامرة في عالمها الأدبي. لم تكن قصصها مجرد حكايات، بل كانت نيراناً تدفئ الروح، وتضيء الظلام، وتشعل ثورة الفكر والعاطفة.

تابع


0 التعليقات: