الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الثلاثاء، ديسمبر 16، 2025

المغرب بين قسوة الطقس ورهانات التنمية: أيام استثنائية تختبر الجاهزية وتبرز الأولويات

 


يشهد المغرب خلال هذه الأيام وضعًا استثنائيًا تتقاطع فيه تحديات الطبيعة مع رهانات التنمية والأمن الاجتماعي، في مشهد مركّب يعكس حجم الضغوط التي تواجهها البلاد، لكنه يكشف في الآن ذاته عن دينامية مؤسساتية في التعاطي مع الأزمات وتدبير المستقبل.

فقد حذّرت مصالح الأرصاد البحرية من أمواج عاتية وخطيرة يتراوح علوّها بين 5 و6,5 أمتار على عدد من السواحل الأطلسية، ما استدعى رفع درجات اليقظة، خصوصًا في صفوف البحّارة ومهنيي الصيد البحري، ودعوة المواطنين إلى توخي الحذر وتفادي الاقتراب من المناطق الساحلية المعرضة للخطر. هذه الظروف البحرية الصعبة جاءت متزامنة مع اضطرابات جوية واسعة أثّرت على عدد من المدن، خاصة في الوسط الغربي للمملكة.

وفي إقليم آسفي، تحوّلت التساقطات المطرية الغزيرة إلى فيضانات مدمّرة خلفت حصيلة ثقيلة ارتفعت إلى 37 وفاة و14 مصابًا، في واحدة من أكثر الكوارث الطبيعية إيلامًا خلال السنوات الأخيرة. وقد واصلت فرق الوقاية المدنية والسلطات المحلية، مدعومة بالقوات المساعدة والمتطوعين، عمليات البحث والإنقاذ وسط ظروف ميدانية صعبة، في سباق مع الزمن لتقليل الخسائر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وأمام تزايد عدد الضحايا والمصابين، أعلنت إدارة مستشفى محمد الخامس بآسفي عن تفعيل خطة طوارئ استثنائية لاستقبال الجرحى، شملت تعبئة الأطقم الطبية وشبه الطبية، وتوفير المستلزمات الضرورية، وضمان استمرارية الخدمات الصحية في ظل ضغط كبير على المؤسسة الاستشفائية.

تداعيات الأحوال الجوية لم تقف عند حدود الخسائر البشرية والمادية، بل امتدت إلى القطاع التعليمي، حيث تقرر تعليق الدراسة في عدد من المؤسسات التعليمية بمناطق متضررة، كإجراء وقائي لحماية التلاميذ والأطر التربوية، إلى حين تحسن الظروف الجوية واستعادة الحد الأدنى من السلامة.

وفي مقابل هذا المشهد القاتم، برزت أخبار تحمل دلالات استراتيجية إيجابية على المدى المتوسط والبعيد. إذ أعلنت الخطوط الملكية المغربية أنها ستطلق، ابتداءً من سنة 2026، رحلات جوية مباشرة جديدة نحو أوروبا وإفريقيا والأمريكيتين، في خطوة تعزز موقع المغرب كمنصة ربط جوي بين القارات، وتدعم طموحاته الاقتصادية والسياحية والدبلوماسية.

وعلى المستوى الاجتماعي والإنساني، واصل المغرب تثبيت حضوره الدولي من خلال برنامج “نسمع”، الذي أصبح نموذجًا يُحتذى به عالميًا في مجال التكفل بالأطفال ضعاف السمع، تحت الرعاية السامية لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء. وقد توّج هذا المسار الإنساني بتنظيم أول مؤتمر إفريقي حول زراعة القوقعة السمعية لدى الأطفال، ترأست سموها مراسم افتتاحه بالرباط، في رسالة قوية تعكس التزام المغرب بالقضايا الصحية والاجتماعية ذات البعد الإفريقي.

وفي سياق آخر، أعلنت السلطات الأمنية عن تفكيك شبكة لتهريب المخدرات عقب مطاردة طويلة امتدت لأكثر من 250 كيلومترًا، شملت مناطق بني ملال وخريبكة والخميسات، في عملية نوعية تؤكد جاهزية الأجهزة الأمنية ويقظتها في مواجهة الجريمة المنظمة العابرة للمجالات.

بين كوارث طبيعية قاسية، وتدخلات استعجالية، وخيارات استراتيجية للمستقبل، يعيش المغرب مرحلة دقيقة تختبر قدرته على الصمود والتكيف. مرحلة تؤكد أن تدبير الأزمات لا ينفصل عن بناء السياسات العمومية بعيدة المدى، وأن التحديات مهما اشتدت، يمكن أن تتحول إلى فرصة لتعزيز التضامن الوطني وترسيخ دولة الاستباق والمسؤولية.

0 التعليقات: