الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أبريل 20، 2024

على ضفة نهر الجانج المقدس : عبده حقي


كان هواء ذلك الصباح معلَّقًا وعبقا برائحة خشب الصندل والأرض الرطبة. وقفت في حرج على الغات، الدرجات المؤدية إلى نهر الجانج المقدس في فاراناسي. لم أشعر قط بهذا القدر المهيب لهذا المكان. كنت متلفعا في جلابيتي البيضاء، الهشة وغير المألوفة في هذه الأرض الرطبة، تتناقض بشكل صارخ مع المشهد الساري النابض بالحياة للنساء المتجمعات هنا.

كان السيد فيرما، صديقي وزميلي لأكثر من عقدين من الزمان، يرقد ملفوفًا بقطعة قماش بيضاء على محرقة بسيطة. وعلى الرغم من السنوات التي أمضيناها في العمل ، إلا أنني بالكاد أعرف شيئًا عن إيمانه. الآن، ها أنا ذا، وسط ترانيم الكهنة وقرع الصنوج ، أشهد طقوسًا قديمة قدم الزمن نفسه.

صبي صغير، لا يتجاوز عمره العاشرة، ابن السيد فيرما، من خلال تبادل نظرات الدامعة معه ، حلق بتوأدة حول المحرقة بمصباح كافور مشتعل. النيران، التي كانت ضئيلة في البداية، رقصت كالجوعى وهي تلتهم الحطب الجاف.

لقد تحول السيد فيرما، الرجل الذي جلب لمسة من دفء الهند إلى مكتبنا العقيم، الرجل الذي أمتعنا بحكايات أسواق دلهي الصاخبة وملاذات الهيمالايا الهادئة، إلى رماد.

اشتدت الحرارة المنبعثة من المحرقة، في تناقض صارخ مع النسيم البارد المنبعث من النهر. كانت تحمل معها رائحة نباتات القطيفة، وتناثرت بتلاتها البرتقالية حول المحرقة مثل الجمر. قامت امرأة عجوز، ربما كانت والدة السيد فيرما، بغمس وعاء صغير من الطين في النهر، وملئته بالمياه المقدسة. كان وجهها المتجعد، المحفور حزنا، يحمل صفاءً غريبًا.

وبينما اشتعلت النيران، والتهمت المحرقة بأكملها، ساد شعور بالسلام في داخلي. لم يكن هذا مجرد نهاية، بل كان احتفالًا بحياة جديدة. كان نهر الغانج، شاهدًا صامتًا على عدد لا يحصى من هذه الاحتفالات، يتدفق إلى الأبد حاملاً رماد السيد فيرما نحو المجهول الشاسع.

فجأة، لمست يد كتفي. نظرت إلى الأعلى لأرى رافي، أقرب زميل للسيد فيرما، تخترق دموعه ابتسامة لطيفة. قال بصوت مليء بالعاطفة: "شكرًا لوجودك هنا يا عمر".

0 التعليقات: