الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مايو 05، 2024

التحالف الذي ولد ميتا : عبده حقي


 أدى الإعلان عن التحالف الاستراتيجي بين الجزائر وتونس وليبيا إلى إحداث صدمة مخيبة لتطلعات شعوب شمال أفريقيا. ورغم أن الأهداف المعلنة للتعاون الاقتصادي والأمن الإقليمي تبدو مبيتة، فإن المناورات الجيوسياسية الأساسية لا يمكن إنكارها في هذا التحالف الملغز الذي يروم إلى خلق تحد سياسي للمملكة المغربية، ولكنه على العكس قد شكل فرصة لإعادة تأكيد مكانتها كركيزة للاستقرار في المغرب الكبير وإفريقيا ككل.

إن هذا التحالف الجزائري التونسي الليبي هو نتاج تهور سياسي في المصالح والتطلعات المتضاربة بين هذه البلدان الثلاث التي تعاني من هشاشات مختلفة سياسية واقتصادية وهوياتية حيث تسعى الجزائر الغنية بالموارد الطبيعية، إلى ترسيخ دورها ك"قوة ضاربة" كما يتوهم لفيف عبدالمجيد تبون. ومن جانبها تنظر تونس، التي تعاني من مشاكل اقتصادية وهشاشة سياسية، إلى التحالف مع الجزائر باعتبارها أقرب جارة إليها من المغرب . وليبيا، التي تتوق إلى العودة إلى الحياة السياسية الطبيعية بعد سنوات من التفرقة والاضطرابات والحروب الأهلية .

ومع ذلك فقد أثار هذا التحالف عدة أسئلة عقلانية . فكيف سيعمل هذا التحالف عمليا من دون المغرب؟ هل ستعطي الدول الأعضاء الأولوية للمصالح الوطنية أم المصالح الظرفية الضيقة ؟ وهل تعمل على دعم التكامل الاقتصادي الحقيقي، أم أن المنافسة سوف تكون على حساب التوازنات؟ وكيف ستلقي هذه الشكوك بظلالها على النوايا الحقيقية للتحالف وفعاليته.

يقترب المغرب من هذا التطور الجديد بثقة لا تتزعزع تولدت من تاريخه العظيم والتزام لا يتزعزع بالاستقرار الإقليمي. فعلى مر مئات القرون، شكل المغرب منارة للقوة الدائمة في شمال إفريقيا، وأمة تزخر بالتنوع وتحتضن دورها كجسر بين العالم العربي وشمال أفريقيا.

يسير الاقتصاد المغربي، رغم التحديات التي يواجهها، على مسار نمو ثابت. لقد عززت الدولة سوقًا نابضة بالحياة ومفتوحة على الاتجاهات الأربع، مما أدى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع ريادة الأعمال. ويربط تطوير البنية التحتية الاستراتيجية بين المدن والقرى، مما يرتقي بالتكامل السياسي والاقتصادي. ورغم أن القوة الاقتصادية للمغرب لا تخلو من المشاكل، إلا أنها توفر أساسًا متينًا للتغلب على الشكوك الإقليمية.

لقد دافع المغرب باستمرار عن الاستقرار الإقليمي، حيث لعب دورا محوريا في التوسط في النزاعات والانتصار للحوار. إن قضية الصحراء المغربية، التي تشكل تحدياً طال أمده، يتم التعامل معها من خلال الالتزام بالحل السلمي ــ وهو المبدأ المنصوص عليه في جميع الدساتير المغربية. ويشكل هذا السعي الدؤوب لتحقيق السلام والاستقرار حجر الزاوية في سياسة المغرب الخارجية، مما أكسبه احترام جميع الشركاء الدوليين.

وإذا كان هذا التحالف الجديد تحولا في المشهد الإقليمي، فسيظل المغرب ملتزما دائما بالتعاون والحوار ودعم حسن الجوار. ويكمن مستقبل شمال أفريقيا في العمل معا لمعالجة التحديات المشتركة مثل الفقر، والبطالة، والتفاوتات الاجتماعية ومعضلة الإرهاب والهجرة السرية . ومن الممكن أن يؤدي التعاون في تطوير البنية الأساسية، وإدارة المياه، وإنشاء سوق مشتركة إلى إطلاق العنان للإمكانات الهائلة التي تتمتع بها المنطقة.

إن المغرب يرفض بشكل قاطع أن يكون موقف المتفرج في الديناميكيات المتطورة في شمال أفريقيا. وسيواصل القيام بدور استباقي لتعزيز الحوار والتكامل الإقليمي. لأنه يؤمن بقوة التعاون لتحقيق الأهداف المشتركة.

وهنا نعود لتأكيد مد المغرب يد الصداقة لجيرانه في الشرق بهدف بناء شمال إفريقيا عربي أمازيغي مزدهر ومستقر وآمن - منطقة يتم فيها إطلاق العنان لإمكانات كل دولة، وحيث يمكن للمجتمعات أن تعيش في سلام ووئام.

وقد يعرب البعض عن مخاوفه بشأن موقف المغرب. وقد يشككون في التزامه بالاستقرار الإقليمي أو يحملون مفاهيم خاطئة حول تطلعاته الوطنية. ولهذه المخاوف، يقدم المغرب رسالة انفتاح وشفافية.

إن تاريخه الطويل والفخور هو شهادة على تعايشه السلمي. لقد دافع عن الاستقرار الإقليمي ولعب دورا بناء في حل الصراعات بالوسائل السلمية . إن التزام المغرب بالتوصل إلى حل سلمي لمسألة الصحراء المغربية هو التزام لا يتزعزع ولكن في إطار السيادة المغربية، وهو الموقف الذي يدعمه المجتمع الدولي.

إن هذا التحالف الجديد في شمال أفريقيا يمثل تحدياً لتطلعات الشعوب إلى الوحدة والمغرب، بفضل التزامه الثابت بالاستقرار الإقليمي، والتقدم الاقتصادي، والتبادل الثقافي سوف يؤهله لدور القيادة في هذا المشهد المتطور .

0 التعليقات: