الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يوليو 14، 2024

تقنية هولوغرام تعيد صوت أم كلثوم إلى الحياة : عبده حقي


شهد مهرجان موازين بالرباط هذا العام ، حدثا متفردا من نوعه حيث اعتلت الأسطورة أم كلثوم، "كوكب الشرق"، مسرح محمد الخامس مرة أخرى. لكن عودتها هذه المرة لم تكن انبعاثا جسديا حيا بل من خلال روائع تقنية هولوغرام، فقد أعيد حضور أم كلثوم الآسر بصوتها الساحر إلى الحياة لجيل جديد من المعجبين. وقد أثار هذا الحدث نقاشاً رائعاً حول قدرة الصور المجسمة على إحياء عروض الفنانين المحبوبين الذين غادرونا إلى الدار الآخرة .

قد تبدو تقنية هولوغرام شبيهة بالخيال العلمي، لكنها تظل طريقة حقيقية لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد. تخيل أيها القارئ الكريم أنك ترى صورة عائمة بالحجم الطبيعي لأم كلثوم، هذا هو سحر الصور المجسمة.! هذا هو العلم المدهش وراء ذلك: شعاع الليزر ينقسم إلى قسمين. يضيء أحد الشعاعين جسم (أم كلثوم)، بينما يعمل الآخر كمرجع. عندما تتحد هذه الحزم مرة أخرى، فإنها تخلق نمطًا فريدًا يشفر المعلومات حول النموذج ثلاثي الأبعاد للكائن المحتفى به . يتم التقاط هذا النمط في فيلم خاص. الآن، يحدث السحر! يؤدي تسليط ضوء الليزر على الفيلم إلى إعادة إنشاء نمط الضوء الأصلي، الذي ينحرف أو (يثني) الضوء، ويشكل صورة ثلاثية الأبعاد في الهواء. ولهذا السبب يمكنك التجول حول صورة ثلاثية الأبعاد ورؤيتها من زوايا مختلفة، تمامًا مثل الجسم الحقيقي.

هناك أنواع مختلفة من الصور المجسمة، بعضها بسيط وبعضها أكثر تعقيدًا. من المحتمل أن يكون الجهاز المستخدم في حفل أم كلثوم بمسرح محمد الخامس بالرباط عبارة عن نظام متطور يحتوي على أجهزة عرض متعددة وشاشات متخصصة لإنشاء صورة عالية الجودة تشبه الواقع الحي. في حين أن تقنية هولوغرام لا تزال تتطور، إلا أنها توفر إمكانيات مثيرة وواعدة في المستقبل. من إحياء الفنانين الأسطوريين مثل أم كلثوم أو أحمد البيضاوي إلى خلق أشكال جديدة من التعبير الفني، تتمتع الصور المجسمة بالقدرة على تغيير الطريقة التي نختبر بها العالم من حولنا.

لقد أسرت كوكب الشرق أم كلثوم العالم العربي لستة عقود ونيف من الزمن بصوتها القوي الرخيم، وحضورها الآسر والمهيب على خشبة المسرح، بكلمات قصائدها المشحونة عاطفياً. كانت حفلاتها الموسيقية لوحدها عبارة عن فعاليات ثقافية تجتذب الآلاف من الحشود من جميع أنحاء العالم العربي وبعد وفاتها عام 1978، تركت فراغا أليما في قلوب الملايين من عشاقها.

وقد كان إحدى أهداف مهرجان موازين 2024 سد هذه الفجوة باستخدام تكنولوجيا هولوغرام المتطورة حيث قام المنظمون بإعادة توضيب صورة أم كلثوم الشهيرة بدقة متناهية، بفستانها الأحمر الفضفاض المميز وإيماءات منديلها الأصفر الأنيق . لقد أعادتها تقنيات العرض الحديثة إلى الحياة على المسرح بصحبة أوركسترا حية تعزف مقطوعاتها الأصلية، قدمت الصورة الثلاثية الأبعاد مجموعة مختارة من أكثر أغانيها المحبوبة.

لقد أثار مشهد أم كلثوم، وهي حية على خشبة المسرح، شعوراً قوياً بحنين الأمس لدى الجمهور الأكبر سناً. بالنسبة للأجيال الشابة، فقد وفرت هذه السهرة الافتراضية فرصة لتجربة سحر الأسطورة التي سمعوا عنها وتغنى بها الرواد الكلاسيكيون . وقد ضجت قاعة المسرح بمشاعر الجمهور الجماعية، وهي مزيج من الرهبة والفرح ومسحة من النشوة والمرارة.

ومع ذلك، فإن الإحياء المجسم لم يكن خاليًا من القيود. افتقر الأداء إلى عفوية وديناميكية الحفلة الموسيقية الحية. وإذا كانت الصورة الثلاثية الأبعاد قد التقطت انفعالات أم كلثوم، إلا أنها لم تتمكن من تكرار الفروق الدقيقة في أداء الفنانة الحقيقية الذي يستجيب لطاقة الجمهور. بالإضافة إلى ذلك، قال بعض المتشددين للآصالة بأن التجربة لا يمكن أن تحل محل الارتباط الذي لا يمكن تعويضه والذي يشعر به المرء مع الأداء الحي.

يثير نجاح حفل ​​أم كلثوم المجسم في مسرح محمد الخامس سؤالا حاسما وملحا: هل يمكن أن تصبح هذه التكنولوجيا وسيلة فعالة لتجربة عروض الفنانين الأسطوريين الذين رحلوا؟ الجواب معقد ومتعدد الأوجه.

إن تقنية هولوجرام توفر العديد من المزايا. أولاً، إنها تسمح للجمهور بمشاهدة الفنانين الذين لم يعودوا على قيد الحياة بطريقة مذهلة بصريًا وغامرة. كما يمكن أن يكون هذا العرض الافتراضي ذا قيمة خاصة للأجيال الشابة التي ربما لم تتح لها الفرصة لتجربتها في أوج عطائها وهي على قيد الحياة . ثانياً، إنها تفتح آفاقاً جديدة للتعبير الفني. ويمكن استخدام الصور المجسمة لإنشاء عروض افتراضية تجمع بين عناصر من عصور مختلفة، أو حتى تجمع بين الفنانين المتوفين والموسيقيين الأحياء. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مساعي فنية مبتكرة تدفع إلى أبعد الحدود من المتعة المفقودة.

ومع ذلك، هناك أيضًا قيود كبيرة يجب مراعاتها. تعتمد جودة التجربة الثلاثية الأبعاد بشكل كبير على مصدر المواد المتاحة. بالنسبة لفنانين مثل أم كلثوم أو محمد عبدالوهاب أو أحمد البيضاوي، الذين لديهم تسجيلات ولقطات واسعة النطاق، فإن إنشاء صورة ثلاثية الأبعاد يمكن تصديقها أمر ممكن أكثر. لكن بالنسبة لأولئك الذين لديهم تسجيلات محدودة، قد تكون التجربة أقل إقناعا.

فضلا عن ذلك، يجب معالجة المخاوف الأخلاقية المتعلقة باستخدام صورة الفنان المتوفى. فالحصول على موافقة العائلات أو الشركات أمر بالغ الأهمية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إساءة استخدام التكنولوجيا للتلاعب بصورة الفنان بطرق قد تشوه أعماله الفنية.

لا تزال تقنية هولوغرام في مراحلها الأولى من التطور، لكن قدرتها على إحياء عروض الفنانين المتوفين لا يمكن إنكارها حيث يمهد التنفيذ الناجح لحفل أم كلثوم في مهرجان موازين الطريق لاستكشافات مستقبلية.

ومع تطور التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع عروضًا ثلاثية الأبعاد أكثر واقعية ودقة. ومع ذلك، فمن الضروري التعامل مع هذا المستقبل بعين ناقدة وذكية. لا ينبغي النظر إلى الصور المجسمة كبديل للعروض الحية، بل كتجربة تكميلية. يجب أن يظل التركيز على الحفاظ على السلامة الفنية للفنانين المتوفين مع تقديم طرق جديدة للجمهور للتواصل مع أعمالهم.

في نهاية المطاف، فإن الجدل الدائر حول إحياء الصور المجسمة يتجاوز التكنولوجيا. يتعلق الأمر بطبيعة الفن والذاكرة والإرث الدائم للفنانين المبدعين. وإذا كانت الصور المجسمة يمكن أن تقدم لمحة عن الماضي وجسرًا للمستقبل، إلا أنها لا تستطيع أن تحل محل المشاعر الأصيلة والتجربة التي لا يمكن تعويضها للأداء الحي. من المرجح أن السحر الحقيقي للفنانين مثل أم كلثوم يكمن في موسيقاهم الخالدة والذكريات التي حفروها في قلوب وأحاسيس معجبيهم.

 

 

0 التعليقات: