في ضوء النهار الخافت في فترة ما بعد الظهيرة ، أقف معلقًا بين السراب والمرآة، صورة عجوز منحوتة بعقارب ساعة غير مرئية، يتردد صداها عبر كهف صدري.
الطفل بجانبي، صدى بعيد لشبابي، عيناي مثبتتان على أفق البراءة، هو الحلم الذي احتضنته ذات يوم بين يدي المرتعشتين، جزء من مستقبل يرقص في الماضي.
نحن ظلان،
متشابكان بخيوط من الأنفاس، ضحكنا، سيمفونية تهمس بها الرياح التي لا تتوقف أبدًا،
الرياح التي
تنثر غبار السنوات المنسية عبر
المناظر الطبيعية القاحلة للذاكرة. يحدق إلى الخارج، في نسيج العالم
الصامت، عالم لا يزال بلا عيب بلمسة اليأس، بينما أنا، المسافر المسن، أبتسم في
الهاوية،
حيث تسكن أشباح
ذاتي السابقة في شفق دائم.
في عينيه، أرى
أول ضوء لألف فجر، وهج الأمل الناعم الذي لم يتعلم بعد أن يتلاشى، ولكن في
انعكاسي، يزداد الشفق عمقًا، شمس شاحبة تغرق تحت أمواج الزمن.
لحيتي، خريطة
للعواصف التي تلاشت، كل ضفة نهر يتدفق عائدًا إلى بحر الأصل، حيث تتقارب كل
الأشياء في هدوء الفراغ، والبداية ليست سوى حلم مؤجل.
أمد يدي إليه،
طفل دمي وعظمي، لكن يدي تمر عبر الأثير، عبر الفراغات بين الذرات، حيث تختبئ أسرار
الوجود وترتجف.
لا يراني، فأنا
مجرد شبح في
بيت الذاكرة، وميض من الضوء يرقص
على حافة النسيان، ومع ذلك فهو يشعر بي، في إيقاع دقات قلبه، في النفس الذي يربطنا
بهذه الأرض العابرة.
هناك ابتسامة
على شفتي، منحوتة من حجر المرونة، إنها ابتسامة المسافر الذي سار على ألف طريق،
ومع ذلك، فإن
الرحلة لم تكتمل أبدًا، لأن الطريق يتعرج مثل ثعبان عبر صحاري العقل، ملتوٍ ويتجه
نحو أفق غير معروف، حيث تغرب الشمس بألوان غير مرئية للعين المستيقظة.
في أعماق روحي،
يندمج السريالي والحقيقي، رقصة من الظلال والضوء التي تطمس الخطوط
بين ما كان وما
هو وما قد يكون.
الطفل، وجهه
ناعم مثل ضباب الصباح، هو حارس الأحلام التي نسيتها منذ زمن طويل، ومع ذلك، تتحرك
تلك الأحلام فيه مرة أخرى، وتنهض من رماد حياة عاشتها في حركة دائمة، حركة نحو
نهاية لا نهاية لها، ولكنها باب إلى اللانهائي، الأبدي.
إنه طائر
الفينيق، النار التي لن تموت، حتى وأنا أتلاشى في شفق الوجود، همسة ضائعة في أصداء
الأبدية.
تتحول الغرفة من
حولنا إلى بحر من الرموز، حروف، أرقام، وجوه، أيادي - كلها تدور في رقصة كونية من الخلق
والدمار، الكون ينهار ويولد من جديد في غضون نبضة قلب.
نحن المركز
والحافة، الأصل والخاتمة، حياتنا كتاب مكتوب بالحبر غير المرئي، يمكن قراءته فقط
في ضوء الفهم الذي يفلت منا.
أضحك، وضحكي هو
صرخة نجم حديث الولادة، انفجار صامت للحياة يتردد صداه عبر الفراغ، ففي هذه
اللحظة، أنا كل ما كان، وما هو، وما سيكون إلى الأبد، ومع ذلك، فأنا لا شيء، مجرد
نفس في الريح، يحمله بعيدًا إلى أراضٍ مجهولة وغير مرئية، حيث تصبح أحلام الرجال
نسيجًا للواقع.
الطفل بجانبي هو
مرساتي ومنارتي، يرشدني إلى شواطئ ما كان مألوفًا ذات يوم، لكنه الآن غريب،
سريالي، كما لو كان يُرى من خلال عدسة حلم.
إنه لا يعرف بعد
عبء الوقت، وثقل السنوات التي تسحبك إلى الأرض، ولا الطبيعة العابرة للحظات التي
تمر مثل الظلال، فقط ليتم نسيانها في غمضة عين.
لكنني أعرف، وفي
هذه المعرفة، أجد السلام، السلام الذي يأتي من قبول السريالية، من اللاعقلاني،
المستحيل، اللانهائي.
لأنه في
النهاية، نحن جميعًا همسات في الفراغ، أصداء حلم به عقل لا يستيقظ أبدًا.
في هذه الصورة،
هذا الجزء من الواقع، نحن خالدون، محبوسون إلى الأبد في لحظة لن تأتي مرة أخرى، لكنها لن تتلاشى
أبدًا.
نحن مجموع كل
أجزائنا، الماضي والحاضر والمستقبل، كلها تندمج في رقصة لا نهاية لها من الخلق
والدمار، رقصة ستستمر لفترة طويلة بعد رحيلنا، بعد فترة طويلة من احتراق النجوم
وتحول الكون إلى غبار.
وهكذا، أبتسم،
ففي هذه اللحظة العابرة، أرى الحقيقة الكامنة تحت السطح، الحقيقة أننا جميعًا
متصلون،
مقيدين بخيوط
الزمان والمكان، بالأحلام التي نحلم بها والحياة التي نعيشها، بالحب الذي نتقاسمه
والذكريات التي نصنعها.
في هذه اللحظة،
نحن أبديون، نحن لانهائيون،
نحن كل شيء،
ونحن لا شيء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق